خبراء خلال جلسة حوارية في «مساحتكم عبر البيان»:

من طي صفحة الفوضى إلى التأسيس لـ «حقبة بيضاء» العرب

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

أكد المشاركون في الجلسة الحوارية «مساحتكم عبر البيان»، على «تويتر space»، أن العرب عاشوا حقبة سوداء، منذ أحداث الفوضى التي خلفت دماراً كبيراً في عدد من الدول العربية منذ عام 2011، وأن الفرصة سانحة لإطلاق «حقبة بيضاء» عربية، قائمة على التعاون المشترك، والمنفعة المتبادلة، وفق أسس حديثة، بعيداً عن الأيديولوجيات والمحاور.

وأجمع المشاركون في الحلقة التي حملت عنواناً استفسارياً «هل طوى العرب صفحة الحقبة السوداء؟»، على أن دولة الإمارات تقود نموذجاً استثنائياً في النهضة والتنمية والاستثمار في الإنسان، وأن مشروع التطرف والإرهاب، رغم الأذى والتدمير، فشل في تحقيق أهدافه عربياً، وأمام العرب اليوم فرصة للبناء على أسس جديدة، تتخذ من التنمية والسلام أولوية.

في بداية الحوار، ثمنت المذيعة في مؤسسة دبي للإعلام، نوفر رمول، والتي أدارت الجلسة، مبادرة منى بوسمرة رئيس التحرير المسؤول لـ«البيان»، على المساحة المقدمة لمناقشة ملفات مهمة، سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي أو الدولي، وطرحت محاور الجلسة بالحديث عن حقبة الفوضى، ووصفتها بـ«الربيع المريب»، التي خلفت دماراً هائلاً في المجتمعات والدول التي ابتليت بها.

شارك في الجلسة كل من محمد الصوافي، الكاتب والباحث السياسي، ود. أحمد سيد أحمد، خبير العلاقات الدولية والأمريكية في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، ود. عامر السبايلة، خبير استراتيجي وزميل غير مقيم في مركز ستمبسون الأمريكي للأبحاث، ود. غازي فيصل حسين، مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية.

المجتمع يحاسب «الإخوان»

في البداية، تحدث محمد الصوافي عن العلاقات العربية قبل ما يسمى «الربيع العربي»، ووصفها بأن هذه العلاقات كانت مستقرة وطبيعية، وقائمة على الاحترام المتبادل، أما في مرحلة الفوضى (ما يسمى الربيع العربي)، فقد حدث انشقاق كبير في العلاقات العربية، وتقريباً حدث فصل كامل بين مجموعتين.

وقال: «صحيح أن مرحلة ما قبل الربيع لم تكن بذلك المستوى المطلوب، لكن خلال الحقبة السوداء، ساءت العلاقات العربية كثيراً، ويمكن تقسيم هذه الحقبة إلى مرحلتين، السنوات الخمس الأولى، حيث تميزت بتجاوز الخطوط الحمراء، أما السنوات الخمس الثانية، كان ظهرت بوادر من التقارب والعودة إلى العمل العربي المشترك». وأشار الصوافي إلى أن تنظيمات التطرف، مثل جماعة الإخوان، ساهمت في زيادة الشرخ في الصف العربي. فهذه التنظيمات، كانت مدعومة من بعض الدول مالياً وإعلامياً، وبالتالي، كانت تقوم بعمل ممنهج في تخريب المجتمعات العربية.

وتابع: «التنظيم الإخواني استغل هذه الثغرة، وزاد المأساة بعد أن وصل الإخوان إلى السلطة في عدد من الدول». وأردف الكاتب والباحث السياسي محمد الصوافي قائلاً: «رب ضارة نافعة، فقد اختبر الإخوان في السلطة، فلم ينفعوا، ولم تكن لديهم خطة، وكانت النتيجة إسقاطهم وإعادتهم إلى خنادقهم، لكن مع سقوطهم، وجدوا أنفسهم وجهاً لوجه أمام المجتمع هذه المرة، كما حدث في تونس ومصر.

الآن، الدول التي كانت تدعم هذه التنظيمات، هم أصحاب أجندات، بما فيها دول غربية، فلذلك اليوم العديد من الدول راجعت أنفسها، ورأت أن المجتمع أقوى من الإرهاب، وتضرر الداعمون، لذلك كانت النتيجة خروج معظم الأطراف الداعمة للإرهاب من المشهد».

وأوضح الصوافي أن الدولة الوطنية العربية، فكرة طرحت جدياً مع إفرازات «الربيع العربي»، فالعقل العربي كان مختطفاً في الأصل، لذلك، الدولة الوطنية قبل فوضى «الربيع العربي»، لم تكن موجودة، لكن نتيجة ما كابده المواطن العربي من عسف وعنف، في ظل التنظيمات الإرهابية، فإنه أعاد النظر في رؤيته، وبات مدركاً لأهمية الدولة الوطنية، وما تعنيه فعلياً على أرض الواقع، فلا تكفي فقط مناهضة التنظيمات الإرهابية بدون مشروع متكامل.

وقال الصوافي إن فكرة خلق نواة تكتلات عربية فاعلة، ثم التحاق بقية الدولة بها، استراتيجية جديدة وفاعلة. كما رأينا في قمة العلا وغيرها، أعتقد بالإمكان أن يتحول العمل العربي، ليس فقط إلى تعاون سياسي، وإنما أيضاً مصلحي، وهذا ما كنا نفتقده سابقاً، ما بعد فوضى الربيع العربي، والتفاعل الشعبي مع فكرة الدولة الوطنية، وقراءة أسباب هذه الفوضى، أعتقد باتت هناك مراجعة سياسية كبيرة.

في الآونة الأخيرة، نجد أنه ما من زيارة لزعيم عربي لدولة عربية، إلا وكان هناك إعلان شراكات ومشاريع اقتصادية. وأردف: «نحن على أبواب مرحلة جديدة وعلاقات حقيقية. هناك روح جديدة تبث في المنطقة.

وأضاف الصوافي أن لدولة الإمارات رؤية خاصة في دعم الدول العربية، من خلال دعم الدول التي تعرضت للفوضى. هذه الرؤية استمرت إلى فترة قريبة، وتطورت هذه الرؤية لتعزيز آليات الدعم، ونقلها إلى آفاق أرحب. رؤية الإمارات نموذج، ولم تبخل في تصديرها إلى الآخرين، كتجربة عربية ناجحة».

وشدد الصوافي: «للإمارات تجربة في الـ 50 عاماً الأخيرة، وخطة للـ 50 عاماً المقبلة، وخلق مبادرات تحفز على الإنتاجية والعطاء». وتابع: «الإمارات تعمل بإيجابية، هناك اهتمام كبير بشريحة الشباب. وهذا التوجه رسالة إماراتية للدول العربية بأن الشباب هم المستقبل».

متغيرات عاصفة

بدوره، قال د. أحمد سيد أحمد، إن «ما بعد فوضى الربيع العربي، ليس كما قبله، في ما يتعلق بالنظام العربي. قبل الربيع كنا بصدد نظام إقليمي عربي، كان يواجه تحديات وله تطلعات، وبالتالي، كان هناك إطار عربي يجمع الدول رغم الخلافات.. لكن ما بعد الفوضى، حدثت متغيرات عاصفة هزت النظام الإقليمي العربي، لم تعد الدولة العربية هي الفاعل في الأحداث، الدولة الوطنية العربية، تعرضت إلى هزة، لكن بقيت هناك دول صلبة، مثل الإمارات والمملكة العربية السعودية، وبقية دول الخليج ومصر والأردن، على سبيل المثال، في المقابل، ظهرت ميليشيات إرهابية في سوريا والعراق واليمن وليبيا، ولم يعد للدول هناك دورها التقليدي، وتزايدت التدخلات الخارجية في المنطقة، وتحولت المنطقة إلى ساحة للتنافس بين الأيديولوجيات.

هذا أدى إلى فراغات، وتراجع كبير في الدور العربي، وبالتالي، كانت مرحلة صعبة، خاصة في السنوات الخمس الأولى».

وأضاف: «المؤسسات العربية والعمل العربي المشترك، لم يحققا التطلعات والآمال، هذا يرجع إلى أن هذه المؤسسات لم تقم على أسس سليمة، قامت على عوامل فوقية بين النخب الحاكمة، بدون قواعد شعبية ترسخها، ولم تقم على فكرة المصلحة والاستفادة المتبادلة، فالاتحاد الأوروبي، رغم الأنظمة السياسية واللغات المختلفة، جمعته المصالح.

هنا، في المنطقة العربية، المؤسسات لم تكن فاعلة في الاقتصاد والثقافة والمجالات الأخرى.. وكانت دائماً جامعة الدول العربية مرآة للوضع العربي. التعاون أيضاً لم يكن متكافئاً بين الدول العربية، هناك دول قوية اقتصادياً ومستقرة، وهناك دول ما زالت تفتقر إلى مفهوم الدولة الوطنية.

وأردف أحمد سيد أحمد قائلاً: «الإسلام السياسي جاء بالميليشيات والطائفية. كل هذه العوامل ساهمت أكثر في تراجع فاعلية المؤسسات العربية. وهناك تدخلات خارجية لإضعاف المنطقة، ولا ننسى دور الرئيس الأمريكي الأسبق، باراك أوباما، حين استخدم جماعات الإسلام السياسي مخلباً ضد المنطقة».

لذلك، والكلام للخبير المصري في الشؤون الدولية، «فإن المراهنة على التعاون العربي الشامل سيكون صعباً، لأنها بين دول متفاوتة، وبعضها منكفئ على أزماته. لذلك، كان هناك تيار التعاون الثلاثي والرباعي والخماسي، الذي يكون على أسس جديدة، ويأتي في إطار التنافس بين مشروعين، التنمية والازدهار والدولة الوطنية، وتمثله دول القلب الصلب (الإمارات والسعودية ومصر والأردن). وهذا التيار يقود مشروعاً تنموياً وتنويرياً، في مواجهة الطائفية والميليشيات التي جعلت من المنطقة أكبر مصدر للهجرة.

وأضاف أن نموذج الإمارات، يعطي مفاتيح لخريطة رؤية شاملة للازدهار، هناك أيضاً القوة الناعمة الإماراتية، وتجربة رائدة في التسامح والتعايش، بمعنى أن تكلفة السلام والتعايش، هي أقل، لكن أرباحها أكبر. الخريطة العربية تحتاج إلى ما هو أكثر من الاقتصاد، تحتاج إلى دولة وطنية كاملة الأركان.

ثورة ثقافية

من جهته، قال د.عمر السبايلة في مداخلته، إن الأزمة بين الدول العربية، كانت دائماً حاضرة في عدة محطات تاريخية، أبرزها كان في فترة 2006، وظهور انقسام عربي برؤى مختلفة. بعد ذلك، ظهر ما يسمى الربيع العربي، الذي نقل الخلاف، ليصبح مواجهة بالوكالة، كل فريق سعى لترجمة رؤيته، ومنها من استبق الخطر للمحافظة على الدولة الوطنية، ومنع أيديولوجيات متطرفة من الوصول إلى الحكم.

في النهاية، أصبحت الملفات العربية مفتوحة على التدخلات الإقليمية والدولية. هذه الأزمات من الصعب إغلاقها، وسرعان ما تصبح حاضنة لمجموعات تأتمر من الخارج، بهدف استمرار الأزمة.

وأضاف السبايلة: «للأسف، بينما العالم كان يقفز قفزات في كافة المجالات، في العلوم والتقنيات، كنا نحن العرب مشغولين في العنف والمعارك، والأخطر أن السكان في الدول العربية المضطربة، بدؤوا يتأقلمون مع الأزمات، وكأنها جزء من الحياة، وهذا سيكون له انعكاس سيكولوجي في قيمة الإنسان، وطبيعة التعاطي مع وجوده. لذلك، لا نغفل ارتفاع العنف المجتمعي، ولمواجهة ذلك، يجب نشر ثقافة الحياة ضد ثقافة الموت».

في المقابل، اتجهت دول الخليج العربية نحو منحى آخر إيجابي وتنموي، لذلك، عملت بعض الجهات الخارجية، ما تستطيع في محاولة لنقل الاضطرابات إلى الخليج، لأنها المنطقة الوحيد المواكبة للمستقبل، وحين فشلوا بشكل مباشر، حاولوا استهداف أطراف الخليج في العراق واليمن، هذه الأزمات تدفعنا إلى التفكير في أن هناك نواة عربية صلبة، تملك رؤية ومشروعاً يمكن أن تلتحق به بقية الدول، حالما تتعافى.

وأكد السبايلة أن العرب بحاجة إلى ثورة ثقافية للتأسيس لقفزات نحو المستقبل، على غرار دولة الإمارات ودول الخليج، بالتركيز على التعليم والاستثمار في الإنسان.

جذور الفوضى

أما د. غازي فيصل حسين، من العراق، فأعاد العوامل والأسباب التي أدت إلى الفوضى والحقبة السوداء العربية، إلى انهيار الدولة العثمانية، حين نشأ صراع بين تيارين، الإسلام السياسي والفكر القومي الوطني.

لكن هذه الأفكار لم تتطور حتى وصلنا إلى الحرب العالمية الثانية، بتدخل الانقلابات العسكرية المشهد العربي. هذه التحولات لم تسمح بإنضاج الفكر الديمقراطي، وحين ظهر الإسلام السياسي كبديل عن الأنظمة العسكرية، أنشأ هو أيضاً أنظمة وحروباً دموية.

ولفت إلى ركود المؤسسات العربية، مثل الجامعة العربية، واتفاقية الدفاع المشترك التي لم تفعّل أبداً. وتحدث الأكاديمي العراقي عن إشكالية ثقافة الدولة لدى الإنسان العربي، كما تعمدت أحزاب الإسلام السياسي والأحزاب الأيديولوجية الأخرى، بالخلط بين مناهضة الاستعمار، ومناهضة النظريات الليبرالية في الاقتصاد والديمقراطية وحقوق الإنسان.

وعبّر عن أسفه لأن الأحزاب السياسية في العموم، لم تسهم في عقلنة الوعي العربي، وما يفاقم الأمر أن مخرجات هذا الوضع ماثلة للعيان، حيث هناك 70 مليون عربي في فقر مدقع، وهذه كارثة بكل معنى الكلمة، على حد تعبير د.غازي حسين.

وتطرّق إلى الانفتاح العربي، من السعودية والإمارات ومصر، على العراق، وأيضاً أكد على أهمية القمة الثلاثية التي جمعت العراق والأردن ومصر في بغداد، والتي هي استمرارية لقمم سابقة، فهي تشكل محطة مهمة لإعادة البنية التحتية والمدمرة، والتي بلغت تقديراتها 400 مليار دولار، وكذلك سيلعب مشروع الربط الكهربائي بين العراق والدول العربية، أهمية كبيرة في تعافي العراق، فهناك أكثر من 50 ألف مصنع معطل، والعراق يستورد غذاءه، وهو بلد زراعي متطور في الأساس.

ويمتلك ثروة باطنية غير مستثمرة، تقدر بـ 20 تريليون دولار. هذا يحتاج إلى استثمارات كبيرة، وهناك تكمن أهمية توثيق أواصر العلاقات العربية.

القادم أجمل

وفي ختام الجلسة الحوارية، شارك المستشار الإعلامي السعودي، حسين الشمري، في مداخلة، قال فيها إن مستقبل العرب يشير إلى طي صفحة الحقبة السوداء، وافتتاح حقبة بيضاء، وسط عالم مضطرب ومتأزم، بسبب التوترات بين الدول الكبرى. وقال: «القادم أعظم، طوينا حقبة الصفحة السوداء.

إذا بنينا على الماضي، لن نصل لأي نتيجة، لأن الماضي مليء بالجراح. نبحث عن المستقبل، مثل الإمارات، التي أصبحت أيقونة من أيقونات العالم. وقطر تستضيف كأس العالم. قمة جدة للأمن والتنمية، عقدت قبل شهور، بمشاركة الرئيس الأمريكي. أيضاً القمة العربية الصينية المقبلة في الثامن والتاسع من ديسمبر... كل هذا مؤشرات على القادم الأجمل، واستعادة العرب مكانتهم التاريخية».

وتطرق الشمري إلى الدور الكبير الذي يمكن أن تلعبه الصناديق السيادية الخليجية في الاقتصاد العالمي.

 

Email