اليمن.. آمال على هدنة غير مكتملة

ت + ت - الحجم الطبيعي

دخلت الهدنة التي ترعاها الأمم المتحدة في اليمن مرحلة مفصلية مع تمديدها لشهرين تنتهي في الثاني من أكتوبر المقبل، بهدف منح المنظمة الدولية والوسطاء الدوليين والإقليميين فرصة، تبدو أخيرة، لإقناع الحوثيين بتنفيذ التزامهم بفتح طريق رئيسي إلى مدينة تعز، حتى يمكن الانتقال إلى اتفاق جديد أكثر شمولية ويمثل وفق مصادر حكومية ومتابعين مدخلاً فعلياً للوصول إلى حل نهائي للصراع.

بعد انقضاء أكثر من أسبوعين على التمديد الأخير، وهو الثالث، للهدنة، فإن الاتصالات التي يجريها مبعوث الأمم المتحدة مسنودا بمبعوث أمريكي وآخر سويدي، ومجموعة الدول الخمس بشأن اليمن، لم تثمر عن أي تطورات مباشرة مرتبطة بتجاوز عقبة طريق تعز، والقبول بالخطة الجديدة التي تنص على أن تكون مدة الهدنة ستة شهور، وتوحيد الإدارة الناتج والموارد وصرف رواتب الموظفين وتشكيل لجنة سياسية تضع أسس إعلان إنهاء الحرب، إلا أن آفاق الوصول إلى حل في نهاية الأمر ما زالت مفتوحة.

آفاق الهدنة

الحكومة اليمنية وعبر وزير خارجيتها أحمد عوض بن مبارك، استبقت أي نتائج للاتصالات الأممية، وقالت إنها تدعم أي تحرك لتمديد الهدنة القائمة، فيما أكد اثنان من المفاوضين عن الجانب الحكومي لـ«البيان» أن الحوثيين سيقبلون بتمديد الهدنة لفترة رابعة من دون فتح طريق رئيسي إلى تعز، وهو ما تصر عليه الحكومة اليمنية.

وعما إذا كانت اللقاءات المكثفة حول الجانب التقني من الهدنة قد تحولت إلى منصة لتفعيل الأوراق السياسية للطرفين، المحلل السياسي باسم الحكيمي يعتقد أنها أظهرت المواقف والتطلعات السياسية للطرفين، ففي الجانب الحكومي بات واضحاً أنها تتفق مع الرؤية الدولية الداعية إلى تثبيت وقف إطلاق النار وتعزيز الإجراءات الإنسانية والاقتصادية، وصولاً إلى محادثات سياسية تفضي إلى تشكيل حكومة انتقالية تحضر لانتخابات عامة.

ويرى أن الهدنة أقرت باعتبارها حاجة وضرورة إقليمية ودولية للمساهمة في تأمين منابع وممرات الطاقة العالمية، ولم تكن عن قناعة من الأطراف المتحاربة لأن ظروف التسوية في اليمن لم تنضج بعد «فهناك فجوات لم تردم، وجولات المحادثات المدنية والعسكرية مع الحوثيين برهنت أنهم مازالوا بعيدين عن السلام وأنهم يرتبون أوراقهم ويستعدون لعودة القتال ويعملون على ذلك، وكان ذلك واضحاً من خلال الحشود الكبيرة التي تم الدفع بها إلى خطوط التماس في شرق مدينة تعز المحاصرة أو في جنوب مأرب والحديدة». ويعتقد الحكيمي أن الحوثيين يدركون في النهاية أن مشروعهم لن يحظى بتأييد الناخبين، ولهذا يراهنون على استمرار القوة لفرض وجودهم في مؤسسات الدولة، استناداً إلى تجاربهم السابقة منذ العام 1990 حين أسسوا حزباً لم يحصل سوى على ثلاثة مقاعد قبل أن تعصف به الصراعات.

العقبة الداخلية لدى الحوثي

لكن هذه الرؤية تختلف مع ما أكده مصدر سياسي رفيع مطلع على المحادثات ورؤية الطرفين للحل، لـ«البيان» حيث يؤكد أن الطرفين قد استنفدا كل قدرتهما على القتال وأن الهدنة مقدمة للسلام ويعتقد أن ما يتم من حشد أو استعراضات «هي تعبير عن مخاوف لدى الحوثيين من استرخاء مقاتليهم»، ويقدم المصدر الذي طلب عدم ذكر اسمه لدواعٍِ أمنية، أن المشكلة التي ستواجه عملية السلام هي الخلافات التي ستظهر وسط القيادات الحوثية عند التوصل إلى اتفاق دائم لإطلاق النار، فسنوات الحرب أظهرت للحوثيين استحالة حكم البلاد ولهذا فإن أقرب التصورات الممكنة هي أن يكونوا شركاء مع القوى الأخرى في إدارة البلاد. ومع أن الهدنة أضفت الطابع المحلي على الصراع، إلا أن التأثير الإقليمي لا يزال يلعب دوراً أساسياً في إنجاحها، فقد لعب التحالف العربي دوراً فاعلاً وإيجابياً في دعم الهدنة وتمديدها مرتين، ووفق مصادر يمنية، فإن هذا الدور سيكون أساسياً في إنجاح تمديدها فترة إضافية جديدة.

ويقول أحمد النسي، وكيل وزارة شؤون المغتربين في الحكومة اليمنية، إن سنوات الحرب خلفت واقعاً معقداً من كافة الجوانب، ولهذا فإن التحالف العربي لعب ولا يزال دوراً فاعلاً في نجاح الهدنة خلال الأشهر الماضية، وهو أيضاً يؤدي دوراً أساسياً في الجهود التي تبذل حالياً للقبول بخطة مبعوث الأمم المتحدة لتمديد الهدنة ستة أشهر جديدة مع ما يرافق ذلك من إجراءات عسكرية واقتصادية وسياسية. ويوضح المسؤول اليمني أن دور التحالف في مرحلة السلام ستكون أساسية كما كان دوره في مواجهة الانقلاب، ذلك أن التحديات الداخلية كبيرة ومركبة، وتحتاج إلى إسناد مستمر من التحالف أولاً والمجتمع الدولي ثانياً.

قصور أممي

ويرى المحامي توفيق الشعبي أن نجاح الهدنة خلال الفترة الماضية مرده إلى أن الناس ملت الحرب، وباتت ترى أن استمرارها يخدم فئة معينة تتربح من استمرارها، ويقول إن ثقة غالبية اليمنيين بالجهود الأممية تراجعت بسبب الفشل في إنهاء الحصار المفروض على مدينة تعز. ويرى أن تقديم المبعوث الأممي مقترحات جديدة قبل تنفيذ كامل بنود الهدنة السابقة يعكس «غياب دور قوي وفاعل للمبعوث والمجتمع الدولي بهذا الخصوص».

على أن الكاتب أحمد محمود يظهر قدراً من التفاؤل رغم الصعوبات والعوائق التي تعترض الخطة الجديدة لمبعوث الأمم المتحدة ويعيد أسباب ذلك إلى أن الأطراف المتحاربة باتت تدرك الآن اكثر من ذي قبل بأنه لا يوجد خيارات أخرى غير السلام، إلى جانب انعكاس التطورات الإقليمية الإيجابية على الوضع في اليمن بطريقة مكنت البلاد خلالها من العيش خمسة شهور من دون قتال رغم الخروقات وتعثر فتح الطرق بين المحافظات.

ويؤكد محمود أن نجاح أي مساعٍ للسلام في اليمن سيحتاج إلى دعم وإسناد سياسي واقتصادي من الإقليم والعالم، والتحالف العربي هو في صدارة الأطراف الداعمة والمساندة لهذه الخطوات، ودوره كان وسيظل أساسياً ومحورياً في الدفع باتجاه اتفاق شامل لوقف الحرب. وفقاً لمرصد الهدنة اليمني، تم رصد حوالي 1860 انتهاكاً للهدنة حتى 29 يوليو أي قبل التمديد الأخير بثلاثة أيام وأن ذلك أدى إلى مقتل 316 شخصاً، وكشفت هذه الانتهاكات أن الجهة الأكثر مسؤولية عن خرق الهدنة هي الحوثيون، الذين ارتكبوا حوالي 1680 انتهاكاً، أو 95 في المئة من الإجمالي.

Email