العراق على مفترق طرق

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

فور تلمس خطوات إيجابية، بين أنصار التيار الصدري والإطار التنسيقي، دعا رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، القوى السياسية كافة، إلى حوار وطني عبر تشكيل لجنة تضم ممثلين عنهم للجلوس إلى طاولة الحوار ووضع «خارطة طريق» لحل الأزمة، مشيراً إلى أن «العراق يشهد احتقاناً سياسياً كبيراً ينذر بعواقب وخيمة، إذا لم يتدخل العقلاء»، وأن الحكومة اتخذت جميع الإجراءات والتدابير اللازمة لضبط الوضع، والحفاظ على الأمن، ومنع هدر الدم العراقي، ودعت جميع الأطراف إلى التهدئة، وخفض التصعيد؛ للبدء بمبادرة للحل على أسس وطنيّة.

وكانت مبادرة زعيم الحزب الديمقراطي مسعود بارزاني تضمنت نفس الدعوة للحوار، وعقد الاجتماعات في أربيل، وتمديد عمل حكومة الكاظمي، لمدة سنة إلى سنة ونصف، يجري العمل خلالها على التهيئة لإجراء انتخابات جديدة، وفق أسس يجري الاتفاق عليها، إضافة إلى تخويلها إقرار قانون الموازنة العامة لسنة 2022.

حلول غير جذرية

وبحسب الخبير في الشأن العراقي ساهر عبد الله، فإن الموافقة على الخطوات المطروحة، وإن كانت غير مكتملة، تصب إلى حد بعيد في مصلحة الطرفين المتخاصمين، إلا أن «انعدام الثقة يكمن في التفاصيل»، وخاصة بالنسبة لقانون الانتخابات وتعديله، وتغيير مفوضية الانتخابات، ودور البرلمان في ذلك، لاسيما بعد خروج التيار الصدري منه، فيما يكسب التيار وقف ترشيح أي شخص من قبل الإطار التنسيقي، الذي يضمن بدوره بقاء مرشحه برهم صالح في رئاسة الجمهورية.

ويضيف عبد الله لـ «البيان»، أن الأيام الماضية شهدت تصعيداً من قبل «الإطار التنسيقي» من خلال ظهور نوري المالكي بالسلاح والبدلة العسكرية قرب منزله، ودعوة أنصار التنسيقي لمواجهة أنصار التيار الصدري، بمقابل الدعوات إلى السلام، والسعي لإجراء انتخابات مبكرة، مع استمرار حكومة الكاظمي.

كشف المستور

بحسب القيادي في التيار الديمقراطي العراقي، عبد الإله توفيق: «إن البلاد ما زالت تشهد أزمة سياسية خانقة بسبب الصراع الدائر بين القوى المتنفذة، لفشلها بتشكيل حكومة على أساس نتائج الانتخابات التي جرت بتاريخ 10 أكتوبر الماضي والتي وصلت خلال الأيام السابقة إلى مدى يصعب التكهن بمساره القادم وبات يهدد السلم الأهلي».

ويضيف لـ«البيان»: «إن إعلان الإطار التنسيقي عن مرشحه لتشكيل مجلس الوزراء وتحديد يوم السبت 30 يوليو الماضي موعداً لانتخاب رئيس الجمهورية، أدى إلى تسارع الأحداث والمواقف والقيام بعدد من الاحتجاجات من مختلف القوى والحركات، وفي المقدمة منها جماهير الكتلة الصدرية، التي دخلت المنطقة الخضراء ومبنى مجلس النواب».

ويؤكد أن انتفاضة أكتوبر في خريف 2019 فتحت الغطاء بعد أن كان مستوراً عن طبيعة الصراع القائم بين القوى المتنفذة وتفاقم الصراع في ما بينها على تقاسم السلطة والنفوذ.

ويتابع: «إن ضعف الثقة بين القوى المتنفذة انعكس في مسار الانتخابات التي جرى الاتهام بعدم نزاهتها وصحة نتائجها، وتطويق المنطقة الخضراء، وتعطيل انتخاب رئيس الجمهورية بافتعال نصاب الثلثين لجلسة مجلس النواب، والإيذان بتشكيل الثلث المعطل الذي أدخل الدولة في فراغ دستوري، من خلال بقاء رئيس جمهورية انتهت المدة القانونية لوجوده، وحكومة تصريف أعمال ضربت الرقم القياسي على مستوى العالم لطول فترة بقائها، ومجلس نواب غير قادر على القيام بدوره التشريعي الكامل لعدم قدرته على تشريع القوانين التي تخص حاجيات الناس اليومية، ومما زاد الأمر تعقيداً انسحاب أكبر الكتل البرلمانية وهي الكتلة الصدرية من مجلس النواب وتقديم أعضائها استقالاتهم».

ما المطلوب؟

وفيما تطلق على الحكومة الحالية صفة «تصريف الأعمال» يرى المحلل السياسي أحمد صباح، أن الحكومة المقبلة المطلوب التوافق عليها، يجب أن تكون حكومة محايدة من وزراء مشهود لهم بالكفاءة والنزاهة، وتحظى بقبول عام، و«تتمتع بصلاحيات كاملة»، تعمل على إجراء انتخابات مبكرة حرة ونزيهة وعادلة، بعد تعديل قانون الانتخابات بما يؤمن مشاركة واسعة من قبل الناخبين، وتطبيق قانون الأحزاب 2015 من قبل الحكومة والمفوضية المستقلة للانتخابات بعدم مشاركة الفصائل المسلحة في الحياة السياسية، ومنع الكتل والأحزاب التي تمتلك أجنحة مسلحة من الترشيح، والحد من استخدام المال السياسي في التأثير على نتائج الانتخابات، عبر وضع آلية إنفاق واضحة للدعايات الانتخابية، ومساءلة المخالفين، والكشف عن المصادر المالية للقوى السياسية المشاركة في الانتخابات، والكشف عن الفاسدين وسراق المال العام وتقديمهم إلى المحاكم ليأخذوا قصاصهم العادل، وكذلك الكشف عن المتسببين في استشهاد المنتفضين والجرحى وتقديمهم إلى محاكم علنية والقصاص منهم، حتى وإن كانوا من عناصر التيار الصدري.

كما أن المحكمة الاتحادية العليا، مدعوة لمراجعة تفسيراتها بشأن «الكتلة الأكبر»، وآلية انعقاد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، وحماية النظام الديمقراطي من كل تشويه يلحق به.

انقلابات التيار

وفي هذا السياق يقول الناشط المدني محمد عباس لـ«البيان»: «إن التيار الصدري كان قد دعم انتفاضة أكتوبر، ثم ترك المتظاهرين إثر اتفاق لتقسيم السلطة جمعه مع القوى المقربة من إيران، والتي كانت تقف ضدها المظاهرات التي طالبت بإنهاء نظام الطائفية والمحاصصة والاستقواء بالخارج».

ويضيف: «رغم فقدان الثقة بالتيار الصدري، لكننا مع أي حراك وطني قادر على ضرب الأطراف التابعة لأي دولة».

وفي ذلك يعلق المدون علي الدراجي، على توجهات الصدر بقوله: «أن تكون لك ميليشيا، وأن لا تكون لك كلمة ثابتة، فهذه أسباب لرفضك، لكن السبب الأول يكفي كفاية تامة...» في إشارة إلى ميليشيا سرايا السلام التابعة للتيار الصدري.

توزيع المغانم

يقول الخبير القانوني الدكتور علي الرفيعي: «إن المحكمة الاتحادية العليا سبق أن أكدت عدم دستورية القرار التشريعي حول الاستحقاق الانتخابي من المناصب، الذي تضمن تنفيذ المتفق عليه من مطاليب القوائم والكتل السياسية وفق استحقاقها في أجهزة الدولة لمناصب وكلاء الوزارات ورؤساء الهيئات والمؤسسات والدرجات الخاصة، وعلى مجلس النواب الإسراع في المصادقة على الدرجات الخاصة».

واعتبرت المحكمة الاتحادية هذا القرار التشريعي لمجلس النواب مخالفاً للدستور.

يواجه العراق أزمة سياسية وتبعات أمنية خطيرة للخلافات بين القوى المتصارعة على تشكيل الحكومة بعد أن خلط زعيم التيار الصدري الأوراق عبر 3 خطوات متتالية؛ هي الانسحاب من البرلمان واقتحام أنصاره مبنى البرلمان، ودعوته إلى إجراء انتخابات مبكرة، الأمر الذي يجعل من محاولات خصمه «الإطار التنسيقي» الانفراد بالمشهد السياسي بعيد المنال. لكن يرى محللون ومتابعون للأوضاع أن هناك فرصة للتوافق في نهاية الأمر على حل وسط عبر إعادة تكليف أو التمديد لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، أو انتخابات مبكرة تعيد رسم خريطة القوى السياسية في حال موافقة غالبية الأطراف.

Email