اشتباكات ليبيا غضب أممي وشرخ عميق

ت + ت - الحجم الطبيعي

كشفت الاشتباكات التي جدت بطرابلس يومي الخميس والجمعة الماضيين عن هشاشة الوضع الأمني بالغرب الليبي، وعن فشل الحكومات المتتالية والفاعلين السياسيين في لجم نزعة التمرد على القانون لدى الجماعات المسلحة بمختلف توجهاتها العقائدية والحزبية وانتماءاتها المناطقية والاجتماعية وولاءاتها السياسية. 

وأعلنت وزارة الصحة بحكومة الوحدة الوطنية أمس، عن سقوط 16 قتيلاً نتيجة الاشتباكات التي وقعت بوسط طرابلس وفي ضاحية عين زارة الجنوبية، بينما بلغ عدد المصابين 52 جريحاً، موضحة أن الإصابات متفاوتة بين الخفيفة والخطيرة. كما أدت الاشتباكات إلى خسائر مادية فادحة طالت الأملاك الخاصة والعامة، ومن ذلك ما أصاب شبكة الكهرباء بمنطقة عين زارة من أضرار جسيمة وفق ما أكدته الشركة العامة للكهرباء.

وكشفت مديرة مكتب الإعلام والناطقة باسم جمعية الهلال الأحمر الليبي، حنان السعيطي، أن فرق الهلال الأحمر تمكنت من إخلاء 117 عائلة من مواقع الاشتباكات، وأنه تم التواصل والتنسيق مع كافة الأطراف لتوفير ممر آمن، للتعامل مع كافة البلاغات من العائلات في مناطق الاشتباكات وخصوصاً منطقة مشروع الموز.

مواجهات دموية

ورأى مراقبون محليون أن المواجهات الدموية التي جدت بين قوتين مسلحتين تخضعان رسمياً لسلطة المجلس الرئاسي وهما «قوة الردع الخاصة» و«الحرس الرئاسي» شكلت صدمة لسلطات طرابلس التي بدت عاجزة على مواجهة التدهور الأمني، وهو ما أدى إلى توجيه إنذار عاجل إلى الطرفين المتصارعين بإمكانية تدخل خارجي لقصف مواقع تبادل إطلاق النار ولاسيما أن ليبيا لا تزال تخضع للبند السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

وبينما سارع رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة بإقالة وزير داخليته اللواء خالد مازن.. أكدت أوساط ليبية مطلعة أن وزير الداخلية ليست له سلطة على الميليشيات المسيطرة على طرابلس وبقية مدن الساحل الغربي الليبي، وخاصة عندما يتعلق بقوة الردع الخاصة التي تعتبر الميليشيا الأكبر حجماً والأكثر تسليحاً في العاصمة والتي يمتد نفوذها على كامل المنطقة الغربية، وهو ما يفسّر سيطرته خلال ساعات على 90 في المئة من معسكرات ومقارّ ومناطق تحرك جهاز الحرس الجمهوري.

في الأثناء، ذكرت مصادر محلية أمس أن اشتباكات عنيفة اندلعت قرب البوابة الغربية لمدينة مصراتة غربي البلاد، بين «القوة المشتركة» الداعمة لحكومة عبدالحميد الدبيبة، و«لواء المحجوب» المؤيد لرئيس الحكومة المكلف من مجلس النواب فتحي باشاغا.

توسع وتمدد

وقالت المصادر إن الاشتباكات التي بدأت عند بوابة الدافنية، توسعت إلى محيط الطريق الساحلي، المؤدي إلى العاصمة طرابلس، حيث حاولت «القوة المشتركة» مداهمة تمركز «لواء المحجوب» في تقاطع زريق، للسيطرة على الآليات هناك، والقبض على آمر القوة عبد الله أبو سنينة.

وأوضحت أن قائد لواء المحجوب سالم الجحا أوكل إلى أبو سنينة والقوة التابعة له مهمة التمركز في مفرق البحر بمنطقة زريق لـ«منع أي تحرك خارج عن شرعية الحكومة بقيادة باشاغا».

وأشارت المصادر إلى أن مجموعتي «لواء المحجوب» رفقة «كتيبة حطين» سبق أن تمكنتا من إخراج «القوة المشتركة» من مناطق في مصراتة، وذلك بعدما حاولت الأخيرة الاعتداء على منزل وموكب باشاغا عندما زار مصراتة لأول مرة منذ تكليفه، الأربعاء الماضي.

وعبّرت الأحداث الأخيرة عن وجود شرخ عميق في رأس وأجهزة الدولة، وفق تعبير رئيس أركان المنطقة الغربية محمد الحداد خلال الجولة التفقدية التي أداها أمس إلى مواقع الاشتباكات رفقة وزير الداخلية المكلف بدر الدين التومي، مشدداً على أن ليبيا تحتاج رجالاً صادقين يقفون خلف أجهزتها ومؤسساتها وإدارتها ولا يتصيدون لها الأخطاء، مردفاً:«كلنا شركاء في الفساد وفي هذا الخلل، والدولة لن تعود للاستقرار إلا بإعطاء الشعب الثقة لمؤسساتها» وفق تقديره.

انتهاك جسيم

وأعربت مستشارة الأمين العام للأمم المتحدة بشأن ليبيا ستيفاني وليامز عن صدمتها بالاشتباكات، وقالت: «أنا غاضبة من أعمال العنف التي اندلعت في طرابلس، التي راح ضحيتها العديد من الأشخاص بينهم نساء وأطفال في حفل زفاف»، وتابعت إن «الاستخدام العشوائي للأسلحة في منطقة حضرية مكتظة بالسكان دون حماية المدنيين يعدّ انتهاكاً جسيماً للقانون الدولي الإنساني وجريمة يعاقب عليها القانون»،وهو ما علّق عليه ناشطون ليبيون بالقول إن المجتمع الدولي لم يتخذ في يوم من الأيام إجراء عملياً واحداً ضد الميليشيات التي لا تزال تعرقل جهود الحل السياسي وتحول دون إتمام توحيد المؤسسات.

Email