تغيرات كبيرة عاشها سكان المخيم في رحلة اللجوء

10 سنوات على نشوء «الزعتري» من الخيمة إلى الكرفانة

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

عشر سنوات انقضت من عمر مخيم الزعتري للاجئين السوريين. عقد من الزمن مرّ على ميلاد مكان لم يخطر ببال ساكنيه أنهم سيجدون أنفسهم فيه بعيداً عن وطنهم. سنة وراء سنة، وهم يقولون في قرارة أنفسهم أو لبعضهم: «ما هي إلا أيام ونعود إلى سوريا». صحيح أن عدداً كبيراً منهم عاد إلى الوطن، لكن الصحيح أيضاً أن عدداً لا يستهان به ما زال يعيش في هذا المخيم تحت سقف الكرفانة «المنزل المتنقل»، حيث تغيّرت ملامح المخيّم أثناء هذه الفترة مع الوقت، وأصبح مدينة صغيرة تجمع اللاجئين من شتى المحافظات السورية. 

حين بدأت الأزمة السورية ما كان أمام كثير من السوريين إلا أن يحملوا أنفسهم وأحلامهم ويتّجهوا إلى الأردن، باعتباره جاراً لسورياً، فضلاً عن الترابط الاجتماعي بين العائلات الذي فتح المجال وأسس الأرضية لاستقبالهم إلى حين انتهاء محنتهم. من هنا ارتأت السلطات الأردنية ضرورة تأسيس مخيم الزعتري عام 2012 ليكون أول مخيم للاجئين السوريين في المملكة.

يقع المخيم على مسافة 85 كيلو متراًَ شمال شرق العاصمة عمان، وعلى بعد 20 كيلو متراً من بلدة الزعتري في محافظة المفرق. ويضم المخيم قرابة 78 ألف لاجئ، بعضهم ولد في المخيم، ليصبح «الزعتري» المنشأ والمكان الذي ترعرعوا فيه، ولكنه لا يمثل بالنسبة لهم الوطن، وما زالت سوريا في وجدانهم والشوق للعودة يدفعهم لانتظار الوقت المناسب لاتخاذ قرار حمل الحقائب وإغلاق الكرفانة.

صحراء ومخيم

المساحة التي أقيم عليهم مخيم الزعتري كانت أرضاً صحراوية فارغة وقاحلة، باتت مخيماً ثم مدينة عدد سكانها يتجاوز 90 ألفاً يتوزعون على 12 قاطعاً و26 ألف وحدة سكنية (كرفان). وفي المخيم قرابة 1200 محل تجاري، فضلاً عن 11 مركزاً طبياً، 32 مدرسة للإناث والذكور، ومراكز تعليمية.

وأظهرت النتائج أن التركيبة العمرية للسوريين في الأردن تعتبر فتية، حيث بلغت نسبة الأطفال ممن أعمارهم أقل من 15 سنة نحو 45% من المجموع الكلي لعددهم.

التحديات استمرت منذ التأسيس وحتى الآن، لكنها مع الوقت أخذت أشكالاً مختلفة، ففي البداية كان هنالك تحدي العيش في خيمة وعدم وجود البنية التحتية من ماء وكهرباء وغيره، وعدم توفر التعليم والعلاج، والمشاكل الكثيرة والخلافات بين الأسر على توزيع المساعدات، وبعد ذلك نشأ تحدي مواصلة التعليم الجامعي، والاندماج في سوق العمل نتيجة محدودية فرص العمل، إلى كيفية إصلاح الكرفانات التي أصبح أغلبها غير صالح للعيش، والتحدي الأخير الذي أثر على العالم وعلينا وهو مواجهة وباء «كورونا».

الشاب صبري الخطيب وصل المخيم مع عائلته في عمر 15 عاماً، واستلمت عائلته كغيرها من العائلات خيمة متواضعة لتكون «البيت الجديد» لهم، وبدأ شكل الحياة الجديدة يظهر تدريجياً. وبحسب صبري، فإن أيام اللجوء صعبة جداً ولم تكن بالحسبان. يقول: عندما انتقلنا من بيت إلى خيمة، كان الطقس شديد البرودة آنذاك.. لا مدفأة ولا كهرباء، كنّا نسهر على ضوء الشمعة، وكانت المياه قليلة، والطعام محدوداً، والمراحيض العامّة بعيدة، والمطابخ بسيطة وغير مألوفة.

تغيرات كبيرة

يصف صبري البدايات ويقول: لم يكن لدينا مدارس في ذلك الحين، والمساجد قليلة، والمنظمات الإغاثية والإنسانية محدودة. كان هناك بعض المستشفيات الميدانية، أما بالنسبة للخدمات التدريبية والتثقيفية والتوعوية، والخدمات التعليمية الأخرى، فلم تكن متوفرة في بداية المخيم.

يضيف صبري أن ما كان يخفف من وطأة تلك الظروف عليهم، هو اعتقادهم بأن رحلة اللجوء «مجرد بضعة أيام ونعود لبلدنا، إلا أن الأيام أصبحت سنوات تتوالى.. كنت أتمنى أن تكون تلك الأيام كابوساً، أو حُلماً عابراً.. إلا أنها كانت أيّاماً ولحظات واقعية وحقيقية».

يومٌ بعد يوم، أصبح أهالي مخيم الزعتري يتأقلمون مع حياتهم الجديدة، بين خيامهم المتواضعة، بالرغم من المعاناة اليومية والتحدّيات الكثيرة التي كانت تواجههم كل يوم، إلا أنهم استطاعوا مواجهة تلك التحدّيات والتغلّب عليها، وهنا بدأ المخيم يتحسّن ويتطوّر للأفضل، وبدأت ملامح الاستقرار تظهر على مرافقه.

مع الوقت أصبح في المخيم مدارس ومساجد ومراكز ولجان مجتمعية وخدمات طبية ومساحات آمنة للأطفال وملاعب وسينما، ومراكز أمنية ومحكمة شرعية وأسواق ومحال تجارية، ومنظمات إغاثية وإنسانية. أيضاً تم بناء بنية تحتية متواضعة للمخيم، مثل شبكة المياه والصرف الصحّي، بالإضافة إلى أنه تم تدشين أكبر محطة لتوليد الكهرباء داخل المخيم تعمل على الطاقة الشمسية.

يبقى مخيّماً

وتصف ابتسام الناطور اللجوء بالرحلة التي لن تنسى تفاصيلها ما دامت على قيد الحياة، لا سيما أن المسؤولية التي وقعت عليها كبيرة جداً. عام 2014 خرجت ابتسام مع أختها الصغيرة وأمها المريضة، حين وطئت قدمها أرض المخيم اختلطت لديها المشاعر بين الإحباط من تذكر ما جرى، والتفاؤل بأن اللجوء لن يطول والعودة قادمة لا محالة.

تقول ابتسام: لا يمكن إنكار أن بيئة المخيم تحسّنت مع الوقت، لكن هناك تحديات من الصعب مواجهتها، فمثلاً المخيم يقع وسط الصحراء وحرارة الصيف قاسية فهي تتجاوز الأربعين والغبار لا ينتهي، وفي الشتاء تجتاح مياه الأمطار الكرفانات، علاوة على تقطع الكهرباء بشكل مستمر ووجود قضايا تتعلق بالتعليم والصحة وغيرها. المخيم كغيره من المناطق لديه قضايا مختلفة، والمخيم يبقى مخيماً لا يمكن التعويل عليه.

لكن العمل يسهم في انتشال الإنسان من الإحباط. هكذا ترى ابتسام، الحاصلة على شهادة تعليم طفولة مبكرة من جامعة دمشق والتي تمكنت من العمل إضافة إلى عملها التطوعي مع الأطفال الذين يعانون من مشاكل نفسية نتيجة تعرضهم للخوف والفزع. وتبدي ارتياحاً للمساندة من جانب المجتمع المحلي سواء من السوريين أو الأردنيين، علاوة على جهد المنظمات في تقديم المساعدات باختلاف أنواعها.

تقول ابتسام إنها تتوق للعودة إلى سوريا، لكن هذا رهين الظروف المادية وقدرتها على ترميم منزل العائلة في درعا، وقدرتها أيضاً على توفير دخل مالي للإنفاق على أسرتها. فالعودة خيار مطروح وحالة الغربة والشتات يجب أن تنتهي.

جهود للتحسين

وتقول دراسة للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، العام الماضي، إن نحو 79% من اللاجئين في الأردن، أي أكثر من 500 ألف شخص يعيشون تحت خط الفقر، وبأقل من 3 دولارات في اليوم الواحد.

الجهود التي يتم بذلها من قبل السلطات الأردنية والمنظمات الدولية تبذل جهوداً واضحة لتحسين أوضاع اللاجئين، كما يقول عدد منهم، إلا أنّ هذا لا ينفي وجود تحديات على مستوى التعليم والصحة والعمل. لكن، حتى لو بدا أن ظروف المخيم اليوم أفضل حالاً مما كان عليه سابقاً، أو أنه قد يشهد المزيد من التحسّن، يبقى اللجوء مُراً وأيَّامه قاسية.

Email