لبنان.. الاستحقاق الحكومي بين حدّي «أكثريّة مفكّكة» و«أقليّة متماسكة»

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا يزال المشهد السياسي في لبنان تحت تأثير ارتدادات جلسة انتخاب رئيس المجلس النيابي ونائبه وأعضاء هيئة مكتب المجلس، يوم الثلاثاء الفائت، وذلك من بوّابة انهماك الأوساط السياسيّة، على اختلافها، في قراءة نتائج الجلسة وتداعياتها على مجمل الصورة السياسيّة، وهي التي رجّحت كفّة فريق على آخر، إنْ لناحية عدم تمكّن المكوّنات المسمّاة «تغييريّة» أو «سياديّة» من تجميع الأكثريّة المطلوبة لتحقيق هدفها بمنع انتخاب الرئيس نبيه بري لولاية مجلسيّة سابعة، أو لناحية قطع الطريق على «التيّار الوطني الحرّ» ومنع فوْز مرشّحه النائب الياس بو صعب بمنصب نائب رئيس مجلس النوّاب. وفي المحصّلة، انتهت لعبة أوّل جلسة لمجلس نوّاب الـ2022، وثبت بتوزيع أصوات النوّاب أنفسهم أنّ من ادّعى نيْل الأكثرية النيابية استعجل، وأنّ المجلس الحالي هو عبارة عن أكثريّة مفكّكة تواجه أقليّة متماسكة.

غموض

ووسط أجواء شديدة الضبابيّة، زادتها غموضاً وإرباكاً الانتكاسة التي مُنِيت بها تكتّلات الأكثريّة النيابيّة الجديدة في استحقاق انتخاب رئيس مجلس النوّاب ونائبه وهيئة مكتب المجلس، وفي ظلّ المتغيّرات الكبيرة التي طرأت على الخريطة النيابيّة والسياسيّة عقب الانتخابات النيابيّة، اتجهت بوصلة الأولويّات الدستوريّة، عقب الاستحقاق البرلماني، إلى الاستحقاق الأكثر تأثيراً على مجريات الأوضاع الداخليّة، أي الاستحقاق الحكومي، تكليفاً وتأليفاً. علماً أنّ أيّ اتّجاه واضح للملفّ الحكومي لم يتبلور بعد، ويبدو أنّه سيكون من الصعوبة بمكان مقاربة الاتجاهات والخيارات التي ستعتمدها الكتل النيابيّة والقوى السياسيّة حيال تسمية الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة العتيدة. أمّا على المقلب الآخر من الصورة، فكلامٌ عن أنّ الرئيس نجيب ميقاتي لا يزال الأوفر حظاً ليحمل صفة رئيس الحكومة المكلّف، إضافةً إلى صفته كرئيس لحكومة تصريف الأعمال. علماً أنّ التكليف لن يؤدّي حتماً إلى التأليف، إذْ ثمّة عقبات كثيرة تحول دون ذلك، رغم ضغط ضيق الوقت بين تشكيل الحكومة والدعوة إلى انتخابات الرئاسة الأولى اعتباراً من أغسطس المقبل، أي قبل شهريْن من انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في 31 أكتوبر المقبل.

الاستشارات المُلزِمة

وبعد إنجاز المشهد الأول من مرحلة ما بعد الانتخابات النيابية، انتقل لبنان تلقائياً إلى المشهد الثاني المتمثّل بالاستحقاق الحكومي، بجولتَيْه: أولاً، الاستشارات النيابية المُلزمة التي سيجريها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لتسمية الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة. وثانياً، معمعة التأليف، بدءاً من الاستشارات النيابية غير المُلزمة التي سيجريها الرئيس المكلّف بعد تكليفه رسمياً لتأليف الحكومة العتيدة. وإذا كان تحديد موعد الاستشارات المُلزمة في يد رئيس الجمهورية، الذي ينتظر اكتمال اللائحة الرسمية بكيفية توزّع الكتل والنواب في المجلس الجديد، ليُصار إلى تحديد المواعيد على أساسها، رجّحت مصادر متابعة لـ«البيان» أن يكون الموعد منتصف الأسبوع المقبل، أي بعد جلسة انتخاب أعضاء اللجان النيابيّة في مجلس النوّاب يوم الثلاثاء المقبل. وعليه، ارتفع منسوب مطالبة البعض بضرورة مراجعة الحسابات واستخلاص العبر من «الدرس الانتخابي» الذي حتّم على الأكثريّة العدديّة في مجلس النواب إتقان «لعبة الأرقام» أكثر في مواجهة الاستحقاقات المقبلة.

تكليف

وفي الانتظار، وفيما لا اسم محسوماً حتى الآن لرئاسة الحكومة، عاد إسم الرئيس ميقاتي إلى الواجهة مجدّداً، كمرشّح هو الأوفر حظاً لتشكيل الحكومة الجديدة، باعتبار أنّ الأكثريّة التي فرضت نفسها في انتخابات هيئة مكتب المجلس تُحبّذ إعادة تكليفه، قياساً على تجربتها «المريحة» معه في الحكومة الأخيرة. هذا في وقت تعيد فيها قوى المعارضة في البرلمان تقويم ما حصل، استعداداً للاستحقاقات المقبلة. ذلك أنّ نتائج معركتَي رئاسة ونيابة رئاسة وهيئة مكتب مجلس النواب أثبتت، وفق تأكيد مصادر نيابيّة لـ«البيان»، أنّ قوى المعارضة تعاني مشكلتيْن بنيويّتيْن كبيرتيْن: الانقسام والشرذمة من جهة، وعدم وجود اتفاق على مبادئ وأمور أساسيّة من جهة ثانية.

وفي الانتظار أيضاً، وبمعزل عن الاسم الذي سيرسو عليه التكليف في الاستشارات المُلزمة التي سيجريها رئيس الجمهورية، فإنّ تشكيل الحكومة في الحالات العادية يتطلّب بعض الوقت، وعلى الأقلّ من شهر إلى شهريْن، ولكن في حالة لبنان الراهنة، فإنّ العقدة الأساس متمثّلة باقتراب موعد الاستحقاق الرئاسي الذي يفترض أن يحصل معه انتخاب الرئيس الجديد للجمهورية في فترة الـ60 يوماً السابقة لانتهاء ولاية الرئيس عون، أي بعد نحو 5 أشهر، والممتدة من أول سبتمبر وحتى آخر أكتوبر المقبليْن. وبالتالي، فإنّ أيّ حكومة سيتمّ تشكيلها في هذه الفترة، ولو تمّ ذلك من دون عراقيل أو مطبّات، لن يزيد عمرها عن الأشهر الخمسة، حيث ستشكّل حكومة جديدة بعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية.

Email