لبنان.. مشاورات ومشهد مثقل بالتعقيدات

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعيداً عن ملهاة الأرقام والأحجام التي أغرقت مرحلة ما بعد الانتخابات البرلمانية في السجال المتبادل بين بعض الأطراف، وبعيداً عن الأجواء التي استبقت الاستحقاق النيابي بمحاولة التحكّم في انتخاب رئيس المجلس وإخضاعه لشروط سياسية وغير سياسية، لم تبدل الساعات الأخيرة من خريطة مواقف الأطراف السياسية والنيابية من استحقاق انتخاب رئيس البرلمان الجديد، وسط النتيجة المُسلّم بها مسبقاً بفوز نبيه بري بولاية جديدة. ولا تزال الأروقة السياسية تعجّ بحركة مشاورات عن وجهة الأصوات في جلسة الانتخاب المقرّرة الثلاثاء، إذ يرجّح ما يرشح عن هذه المشاورات نيْل بري أكثرية نيابية تفوق 65 صوتاً من أصل 128. 

ووفق ما تؤشّر الأجواء السابقة لجلسة الثلاثاء، فإنّ الأمر وإن كان محسوماً لجهة انتخاب برّي، إلا أنه مثقل بتعقيدات كبيرة تحول دون بلوغ تفاهمات بين القوى النيابيّة عن أيّ من مرشّحي الكتل الكبرى لمنصب نائب الرئيس، ما لم تسبق ذلك تسوية ما تُفضي لتفاهمات مسبقة تعدّل مسار الانتخاب، كوْن أي من الكتل الكبرى، ومن دون هذه التسوية، غير قادر على حشد الأكثرية النيابية دعماً لمرشحه بالنظر للتباينات الماثلة. وفي غياب التسوية المسبقة، لم تستبعد مصادر نيابية حدوث مفاجأة في انتخاب نائب رئيس المجلس، إذ إنّ الاحتمال الأكثر ترجيحاً انتخاب أحد النواب المستقلين من خارج دائرة الأحزاب.

ولا تزال الدعوة التي وجهها نبيه بري بوصفه «رئيس السن» للمجلس النيابي الجديد، تحتل واجهة المشهد السياسي، إذ حدّد الثلاثاء موعداً لعقد جلسة عامة لانتخاب رئيس ونائب رئيس للمجلس النيابي وأميني سر وثلاثة مفوضين في سياق إجراء يحتمل أحد أمرين، نضج الطبخة لعقد الجلسة، وأنّ برّي التزم المهلة الدستوريّة ودعا فيها للجلسة ليحض من يعنيهم الأمر على التوافق قبل انعقادها. ووفق معلومات توافرت لـ«البيان»، فإنّ معركة انتخاب رئيس المجلس تتّجه إلى فرز حاسم بين التصويت للرئيس برّي بأقل نسبة أصوات سينالها منذ 30 عاماً، والتصويت بالورقة البيضاء لجميع الرافضين إعادة انتخابه. 

في الأثناء، أجمعت مصادر نيابية على أن برّي حسبها واقعياً لجهة التوقيت تحديداً، ذلك أنّه لا يريد أن يحسب عليه تجاوزه، بوصفه رئيساً للسن، المهلة الدستورية المعطاة له لدعوة المجلس للانعقاد، فضلاً عن وجود سبب استراتيجي أعمق فحواه إدراك برّي إقبال البلاد على استحقاقات قاسية، وأنّ الفراغ ربما يحدث على الصعيد الحكومي أو على صعيد الرئاسة الأولى، مع ما يعنيه الأمر من كونه لا يستطيع أن يؤدي أي دور إلا إذا انتخب رئيساً أصيلاً لمجلس النواب، وبالتالي، وفي ظل الفراغ الذي قد يتحكم في المشهد السياسي، فقد يكون هو المسؤول الوحيد الشرعي والمنتخَب وغير المنتهية ولايته، ما يجعله من جديد «صمام الأمان» للمؤسسات في لبنان، بمعزل عن الأصوات التي سينالها، وعما إذا كانت الميثاقيّة ستتوافر، أم لا، لانتخابه. ويختلف الأمر بشأن نائب رئيس المجلس، إذ سيكون هناك أكثر من مرشّح، وبالتالي فإن صندوق الاقتراع هو الذي سيقرّر الفائز. 

وفي انتظار جلسة الثلاثاء التي ستُفتح على المشهد بكل مضامينه ومفاجآته وأرقامه، ارتفع منسوب المطالبة بإعادة إنتاج مطبخ السلطة التنفيذية، للاتفاق مع صندوق النقد الدولي. ووفق مراقبين فإنّ السؤال الأكثر إلحاحاً سيبقى هل ستتم الاستشارات النيابية الملزِمة لتسمية رئيس جديد للحكومة بالسرعة التي تمّت بها الدعوة إلى انتخاب رئيس للمجلس النيابي؟ وماذا عن تشكيل الحكومة؟ هل يتكرّر سيناريو 2018، بعد الانتخابات النيابية، بتأخير تشكيل الحكومة سبعة أشهر؟ وحال التعثر والإبقاء على حكومة تصريف الأعمال، أيّ عمق يكون عليه الانهيار الذي تشهده البلاد؟

Email