لبنان.. «ولاية» جديدة بصراعات قديمة

ت + ت - الحجم الطبيعي

دون مراسم وداع، يتأهّب المجلس النيابي في لبنان للتواري عن المشهد طاوياً معه مرحلة كانت الأكثر صخباً وتشنجاً على كل المستويات، فيما يتسلم الراية التشريعية مجلس نيابي جديد تنتظره مجموعة من التحديات والاستحقاقات الأكثر دقة وحساسية تحدّد وجهة الرياح الداخلية في اتجاه رسم خريطة طريق الانفراج، أو إبقاء البلاد عالقة في حقل ألغام قابلة للانفجار عند أي مفترق.

وهو الأمر الذي أشار إليه رئيس مجلس النواب، نبيه بري، من خلال تحذيره من أنّ لبنان بات أمام خيارين، الارتقاء عن الانقسام ما بين أكثريات وأقليات، والتوافق على إعطاء الأولوية لمواجهة الاستحقاقات الكبرى، أو الاستعداد لمستقبل مشؤوم.

ومع التسليم والتسلم بين المجلس النيابي السابق والجديد، اليوم، يبدو الأفق السياسي ملبداً بتساؤلات حول كيفية عبور المجلس الجديد إلى ولايته، وعلى أي إيقاع ستتحرك هذه الولاية مع الخريطة النيابية الجديدة، التي لا تتحكم فيها أكثرية موصوفة بل كتل نيابية متفرقة وأمزجة سياسية مختلفة ومتصادمة، لم يسبق أن شهدت مثلها كل المجالس النيابية ما بعد «اتفاق الطائف»، ذلك أنّ الأمزجة التي بدأت تعبر عن نفسها، عشيّة الاستحقاق المجلسي المتمثل بانتخاب رئيس المجلس ونائبه وأعضاء هيئة مكتب المجلس، بدأت تَشي بأنّ ولاية المجلس الجديدة لن تكون ولاية ربيعية، بل أنّها تبعاً للانقسامات والتوجهات النيابية المتصادمة، ستكون محفوفة بالكثير من الجدل والمدّ والجزْر، والكثير من المزايدات والمناكفات حول مختلف الملفات.

تعاظم هواجس

بالتزامن، لا تزال البيانات الدولية المرحبة باحترام مبدأ تداول السلطة في لبنان تتوالى، لتتّجه الأنظار تالياً إلى الاستحقاقيْن الحكومي والرئاسي، وسط تعاظم الهواجس من أن يعود أركان السلطة إلى لعبة التعطيل والتسويف، سواء في عملية التكليف والتأليف أو في انتخاب رئيس جديد للجمهورية، الأمر الذي من شأنه أن يعيق مسار الإنقاذ واستنهاض الاقتصاد في لبنان لحسابات سياسية وشخصية. ومن هذا المنطلق، كان التركيز جلياً، في جوهر المواقف الصادرة خلال الأيام والساعات الأخيرة على المستويين العربي والدولي عقب إنجاز الاستحقاق النيابي، على ضرورة تشكيل حكومة قادرة على إنقاذ الاقتصاد وإعادة الثقة بلبنان سريعاً، كما جاء في بيان الخارجية الأمريكية، بالتزامن مع تشديد مجموعة الدعم الدولية على وجوب تسريع تشكيل حكومة يمكنها تنفيذ الإصلاحات ومواصلة العمل مع صندوق النقد الدولي.

إصلاحات هيكلية

كما فرضت الأوضاع في لبنان بعد الانتخابات التشريعية نفسها على أجندة الاتصال الهاتفي بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ووليّ العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، إذ جددا التأكيد على الحاجة لتنفيذ الإصلاحات الهيكلية اللازمة للتعافي، التي يتوقعها اللبنانيون والمجتمع الدولي، إلا أنّ حسابات «حقل السلطة» لم تبدُ مطابقة لحسابات «البيدر الإصلاحي» أمام المجتمع الدولي، في ظل مكاشفة رئيس الحكومة، نجيب ميقاتي، الرأي العام الداخلي والخارجي بحقيقة العرقلة التي واجهها من جانب «التيار الوطني الحر» تحديداً، وحالت دون تنفيذ مشاريع إصلاحية. وختم ميقاتي حديثه بالتأكيد على أنّه لن يكون شاهد زور إزاء محاولات رهْن البلاد مجدّداً بمصالح شخصية، أو التعاطي مع الملفات الحيوية بمنطق الشخصانية، معرباً عن أسفه لاستمرار محاولات دفع البلد إلى الانتحار.

وفي الانتظار، فإنّ ثمّة كلاماً كثيراً وتحليلات أكثر ومواقف أكثر وأكثر، إلا أنّ الغموض يبقى سيّد الموقف، فمن دون حسْم مسألة رئاسة المجلس النيابي، فإنّ سائر البنود في وضع المعلّق»، فيما يزيد من الغموض أنّ رئيس المجلس، نبيه بري لم يدل بأي تصريح في هذا الشأن، ربما في انتظار ما سماه في خطابه بعد الانتخابات «تبريد الرؤوس الحامية».

Email