أزمة المناخ.. دلتا النيل في قلب العاصفة

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

تمثل دلتا نهر النيل واحدة من أكثر المناطق المُهدّدة حول العالم بآثار التغير المناخي، لا سيما في المناطق الساحلية المنخفضة المعرّضة للغرق مع ارتفاع سطح البحر، في وقت تتخذ الدولة المصرية مجموعة من الإجراءات، ضمن إطار مشاريع التكيف مع التغيرات المناخية في السواحل الشمالية والدلتا، ومشروعات حماية المناطق الساحلية من آثار أزمة المناخ.

تظهر آثار أزمة المناخ على منطقة الدلتا، الممتدة من بورسعيد في الشرق حتى الإسكندرية في الغرب، والسواحل الشمالية للبلاد، على أصعدة عدة، بدءاً من ارتفاع سطح البحر تأثراً بارتفاع درجات الحرارة وذوبان الجليد في المحيطين الشمالي والجنوبي، وحتى موجة الجفاف التي تتعرض لها بعض المناطق الزراعية، مروراً بأثر السيول في مناطق أخرى، والظواهر الجوية المتطرفة.

وتولي الدولة المصرية اهتماماً خاصاً بتلك المنطقة في إطار مشاريع التكيف، وعلى اعتبار أنها من أكثر المناطق حساسية للتغير المناخي، وأن «الحفاظ على المناطق الساحلية من آثار التغيرات المناخية الحالية والمستقبلية مسألة ضرورية من أجل الحفاظ على سلامة المواطنين والحفاظ على الاستثمارات القائمة بالمناطق الصناعية والزراعية والسياحية الموجودة على سواحل مصر الشمالية، خاصة بمنطقة الدلتا، وبما يسمح بتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستقبلية، والحفاظ على الثروات الطبيعية للأجيال المقبلة»، وفق وزير الموارد المائية والري الدكتور محمد عبد العاطي.

مشروع التكيف

تتبنى مصر ممثلة بوزارة الموارد المائية والري عبر الهيئة المصرية العامة لحماية الشواطئ، مشروعاً خاصاً بالتكيف مع التغيرات المناخية بالساحل الشمالي ودلتا نهر النيل، وهو المشروع الذي يتولى صندوق المناخ الأخضر (بالتعاون مع البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة) تمويله بقيمة تصل إلى حوالي 32 مليون دولار في 5 محافظات ساحلية (بورسعيد ودمياط والدقهلية وكفر الشيخ والبحيرة)، ويتضمن إنشاء محطات إنذار ورصد على أعماق مختلفة داخل البحر الأبيض المتوسط، بهدف الحصول على البيانات المتعلقة بالأمواج والظواهر الطبيعية المفاجئة.

يمثل المشروع خطة عمل متكاملة للمناطق الساحلية بطول السواحل الشمالية للبلاد، تهدف لحماية الاستثمارات والثروات الطبيعية بالمناطق الساحلية. ويتضمن إنشاء مجموعة من الجسور الشاطئية لحماية المناطق المنخفضة، فضلاً عن إنشاء مصدات رمالية. ومن المتوقع الانتهاء من تنفيذ أعمال الحماية قبل نهاية عام 2024.

غرق الدلتا

يشير الخبير البيئي لدى الأمم المتحدة، محمد الزرقا، في تصريحات لـ «البيان»، إلى دراسات بيئية تحدثت عن المخاطر التي تواجه الدلتا المنخفضة أو المناطق المنخفضة في الدلتا عموماً، والأمر لا يقتصر على دلتا نهر النيل فقط، والتي تتأثر بارتفاع منسوب سطح البحر، بسبب ارتفاع درجات الحرارة وذوبان الجليد في المحيط الشمالي والجنوبي نتيجة هذا الارتفاع، وتعتبر من ضمن أكثر المناطق حساسية للتغير المناخي حول العالم.

ويحذر من أن ارتفاع منسوب سطح البحر قد يؤدي إلى غرق الدلتا بحلول عام 2050 ما إذا استمرت معدلات انبعاثات غازات الاحتباس الحراري المسؤولة عن أزمة المناخ وارتفاع درجة حرارة الأرض، كما هي من دون أن تنجح الجهود الدولية من أجل الحد من هذا الارتفاع، الأمر الذي يعرض كل دلتا في البلدان المنخفضة للغرق مثل هولندا وبنغلاديش ودلتا نهر النيل.

ويحذر الخبير البيئي عضو مجلس الأمن القومي الأسبق في مصر من حجم المخاطر والتهديدات الأمنية والمشكلات المجتمعية التي تهدد مصر، وبخاصة المخاطر المرتبطة بغرق الدلتا، مبرزاً الجهود التي تبذلها الدولة المصرية لحماية المناطق الساحلية من آثار التغيرات المناخية الحالية والمستقبلية، فضلاً عن الجهود العامة المبذولة للحد من آثار التغير المناخي.

من بين تلك الجهود التي يتحدث عنها الزرقا مشروعات الطاقة الجديدة والمتجدّدة، ومن بينها مشروع بنبان للطاقة الشمسية (بالقرب من مدينة أسوان في جنوب مصر)، ومشروع الزعفرانة (أول مشروع لتوليد الكهرباء باستخدام الخلايا الشمسية يتم تنفيذه في منطقة الزعفرانة بمحافظة السويس)، إضافة إلى المشروعات الخاصة بحماية السواحل الشمالية، فضلاً عن مشروعات النقل النظيف والطرق السريعة، ومشروعات الإدارة المستدامة للموارد.

ويضاف إلى ذلك مشروع تأهيل وزراعة 1.5 مليون فدان، لتحقيق الأمن الغذائي وتعويض تدهوّر وتآكل الأراضي في الدلتا، ضمن جهود الدولة المصرية للتعامل مع آثار التغير المناخي الحالية والمستقبلية.

وكان المدير التنفيذي لصندوق المناخ الأخضر، يانك جليماريك، قد أعلن عن تقديم الصندوق منحة بقيمة 32 مليون دولار، لمشروع حماية دلتا نهر النيل من آثار التغيرات المناخية، مؤكداً خلال مؤتمر صحافي بمقر وزارة البيئة في مصر في مارس الماضي، أن دلتا النيل من أكثر المناطق المهددة في العالم والأكثر حساسية وهشاشة.

خمسة عوامل

ويحدد رئيس المنتدي المصري للتنمية المستدامة، الدكتور عماد عدلي، في تصريحات لـ «البيان»، خمسة أوجه أساسية لتأثر منطقة الدلتا والسواحل الشمالية في مصر بالتغيرات المناخية الحالية، وهي (ارتفاع سطح البحر، وزيادة نسبة الملوحة في الأراضي الزراعية بتلك المنطقة، والجفاف الذي تعاني منه بعض المناطق، والسيول في مناطق أخرى، علاوة على الظواهر الجوية المتطرفة مثل البرودة الشديدة أو الحرارة الشديدة في توقيتات مختلفة).

ويشير إلى أن المشكلة الرئيسة تتمثل في ارتفاع سطح البحر، وهي أكبر مشكلة تواجه منطقة الدلتا والسواحل الشمالية للبلاد، وذكرتها عديد من التقارير الصادرة عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ IPCC، باعتبار أن ذلك الارتفاع يؤدي إلى تغطية جزء كبير من أراضي الدلتا، والتي تعتبر المركز الرئيس للأمن الغذائي في مصر.

ويردف: «ارتفاع مستوى البحر يؤثر بدوره في المياه الجوفية والتربة، وبالتالي ترتفع نسبة ملوحة الأراضي في السواحل الشمالية، ما يؤثر في الكفاءة والإنتاجية الزراعية». وبعيداً عن المناطق المطلة على البحر مباشرة، فإن مناطق أخرى في النطاق تتأثر بشكل كبير بالتغيرات المناخية، من بينها المنطقة الواقعة جنوب غرب البحر المتوسط، وتحديداً النوبارية التي تضم أراضي الخريجين، والمتأثرة بالجفاف مع تغير معدلات هطول الأمطار، وتأثر كميات المياه التي تصل تلك الأراضي. ويضاف إلى ذلك تأثير السيول على بعض المناطق الشمالية، بشكل خاص في محافظة البحيرة.

وأمام تلك التهديدات والمخاطر تعمل مصر على محاور عدة، للتصدي لآثار تلك التغيرات والتكيف معها. ويقول رئيس المنتدي المصري للتنمية المستدامة في معرض حديثه لـ «البيان»، إنه في ما يخص ارتفاع مستوى البحر تشهد مصر مشروع التكيف مع التغيرات المناخية على السواحل الشمالية، عبر إنشاء مصدات رملية تمنع نزوح المياه إلى المناطق الزراعية المحيطة عند ارتفاع مستوى سطح البحر، ويحمي هذا المشروع إلى حد كبير المناطق الساحلية على الدلتا باستخدام تكنولوجيا بسيطة لإنشاء المصدات.

كما تعمل مصر على التعامل مع آثار السيول في بعض المناطق، عبر مشاريع إنشاء سدود صغيرة حتى لا تجرف المناطق المحيطة ومن أجل التحكم في مخرات السيول والاستفادة من المياه. إلى جانب مشروعات استنباط محاصيل زراعية تعطي نفس العائد أو المنتج وتتحمل الجفاف والملوحة، لمواجهة أزمتي الملوحة والجفاف في بعض المناطق، علاوة على التحرك في إطار الاعتماد على الأساليب الحديثة للري بدلاً عن الغمر.

Email