رمضان فلسطين.. طقوس وعادات أصيلة

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يحتفظ شهر رمضان في فلسطين بسمات وعادات ومظاهر ثقافية خاصة تناقلتها وتوارثتها الأجيال جيلاً بعد جيل، وبقيت خالدة في ذاكرة التاريخ، وفي فلسطين بمدنها وقراها تلوح في الأفق عادات رمضانية تندمج مع روح العصر، وتتأقلم معه محافظة على سماتها وأصالتها، وتمتاز مدينة نابلس شمال الضفة الغربية، أو دمشق الصغرى كما يسميها البعض، بعادات وتقاليد تعطيها رونقاً آخر عن باقي المدن الفلسطينية، ففي جو تسوده المحبة والمؤاخاة ينظم أبناء المدينة مسلمين ومسيحيين وسامريين قبيل حلول رمضان بأسبوع حملات تطوعية، لتنظيف حارات البلدة القديمة، وتزيين الشوارع والمساجد بالحبال التي تعلق عليها المصابيح الكهربائية الملونة، بالإضافة إلى الأعلام الفلسطينية، والأهلة والنجوم المضيئة فتتحول المدينة إلى لوحة فسيفسائية بألوان زاهية، وعلى أنغام الفرق الموسيقية الصوفية يضاء فانوس رمضان في مركز المدينة. 

اعتاد الفلسطينيون على افتتاح الشهر الفضيل إما بالأبيض أو الأخضر، و«الأخضر والأبيض» في المائدة الفلسطينية، يعنيان الملوخية الخضراء أو اللبن الرائب المطبوخ على هيئة منسف أو بوصفات أخرى. 

يحتفظ النابلسيون بعادة قديمة وتراثية في شهر رمضان المبارك، توارثوها على مدى عقود، وهي «فقدة رمضان»، ويقوم بواجب الفُقدة عادةً الأب والأخ والجد إن كان ما زال على قيد الحياة، والخال والعم، وأحياناً يجمعون أنفسهم لتكون زيارة الفُقدة على شكل وفد كبير، وتقدم هدية الفُقدة للأخوات والخالات والعمات والبنات المتزوجات. وكانت الفقدة في ما مضى من الزمن عبارة عن طرد غذائي متنوع يشمل مخلوطة المكسرات الفاخرة، والكعك بأنواعه، والفواكه مختلفة الأنواع، وملبس باللوز، وملبس بالقضامة، وملبس حامض حلو، أو أي نوع آخر، بالإضافة إلى التوفي والشوكولاتة، وكذلك البقلاوة النابلسية، أما في الوقت الراهن، فمع تبدّل الأحوال، تغيّر شكل الفُقدة تدريجياً، ولم يعد هناك من يقدم ذلك الطرد متنوع المحتويات، إلا ما ندر، لتحل محله هدية للبيت، أو هدية شخصية للمرأة، أو مبلغ من المال تختلف قيمته باختلاف الوضع المادي للأهل. 

لا تخلو المائدة الفلسطينية الرمضانية من وجود طبق المخلل، فهو من المقبلات الأساسية في رمضان، ويرتبط وجوده مع مختلف الأطباق والأطعمة، علام العمد أحد أقدم صنَّاع كار المخللات في مدينة نابلس، يقول لـ«البيان»: «أصبح تناول المخللات عادة شعبية متوارثة وخاصة في شهر رمضان، لما تمتاز به من فائدة وقلة تكلفة وسهولة تحضير ومذاق طيب». وأضاف: «تمرُّ عملية التخليل بثلاث مراحل رئيسة هي، التمليح أي نقوم بغمر الخضروات المراد تخليلها في محاليل ملحية أو نضيف لها الملح الجاف ونتركها مدة تختلف حسب نوع الخضار المراد تخليله، ثم مرحلة التجهيز وهي عبارة عن تقليل نسبة الملح إلى النسبة المطلوبة للاستهلاك، ثم مرحلة الإعداد أي تهيئة المخللات المجهزة بالطريقة الصالحة للتسويق».

ولا تكتمل المائدة الرمضانية عند الفلسطينيين إلا بالعصائر والمرطبات وحلوى القطايف، إذ يعتبر تقديمها شرطاً في أي وليمة في جميع البيوت من مختلف شرائح المجتمع الفقيرة والميسورة، ورغم تقدمه في العمر والأمراض المرتبطة به، يستعين النابلسي أبو أسعد التميمي بعكازه للوصول إلى أقدم محل لصنع القطايف في نابلس القديمة لشراء حاجته، وعن إدمانه عليها، يقول: «تحذير أولادي من ضررها على صحتي بذريعة السكر والسعرات لا يكبح رغبتي، لا أتخيل ليلة رمضانية لا تزين القطايف سهرتها، لقد تفتحت مداركي على شكلها وطعمها منذ كنت طفلاً، ورغم وجودها على مدار العام إلا أن مذاقها في رمضان أشهى وألذ». 

«عالسوق نازل» عادة رمضانية نابلسية قديمة تنظم بها الاحتفالات والأمسيات الرمضانية حتى يومنا هذا، يستذكر السبعيني أبو وليد سمارو ذكرياته الطفولية في رمضان، ويقول: «كانت الأجواء الرمضانية مختلفة جداً، كنا ننتظر رمضان بلهفة وشوق، فهو الشهر الوحيد الذي كان يسمح لنا أن نتأخر طيلة ساعات الليل، نلهو ونلعب وننشد، وكنا ننفق ما جمعناه في النهار من نقود في شراء عصير الخروب والسوس والذرة والفستق وكل ما يحلو لنا بـ «السوق نازل»».

Email