لبنان.. بين الغلاء والانفلات الأمني

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعيداً من الغوص في التفاصيل الانتخابية والتحضيرات التمهيدية لاستحقاق 15 مايو المقبل، فإن ثمّة مشهداً لا يمكن تجاهله أو إغفاله، هو مشهد الخوف الذي دخل بيوت كل اللبنانيين، وبدأ يقضّ مضاجعهم، وذلك من بوّابة الأرقام ودلالاتها، أولاً: أكثر من 50 ألفاً تركوا أعمالهم في الفترة الأخيرة، لينضمّوا إلى صفوف أكثر من 500 ألف عاطل عن العمل، أكثر من 1.5 مليون لبناني تحت خط الفقر. 

وعليه، ارتفع منسوب الكلام عن أنّ مؤشرات الانفجار السياسي والاجتماعي متوفرة، لكن عمليات الترقيع السياسي مستمرّة لمنع وقوعه، وعن أنّ الآتي أعظم، ما لم يحصل انعطاف جذري في إدارة الأزمة، غير المسبوقة عالمياً بتعقيداتها ومداها وآفاق تطوّرها. وهذه الخلطة، مجتمعةً، أحدثت هلعاً لدى اللبنانيين الذين تدافعوا كلّ في اتجاه، من تعبئة البنزين والمازوت، إلى تخزين الزيت، و«مطاردة» أكياس الطحين، تحسّباً للأيام السود. أمّا فوضاها، فتبدو نموذجاً متقدّماً عما سيشهده اللبنانيون في زمن العبور إلى الانتخابات النيابيّة المقبلة: اشتباكات مسلّحة، سلاح متفلّت.

«غابة مرعبة»

إنّها «الغابة المرعبة»، بحسب تعبير «أبو عمر»، الرجل السبعيني الذي عاصر الكثير من مراحل تبدّلات المشهد وتحوّلاته في بيروت، إلى أن رسا على الرعب الذي لم يعد مقتصراً على ما يعانيه المواطن اللبناني من فقر وعوز وجوع، ولا على نار الغلاء والأسعار الحارقة ولصوص الاحتكار، إنّها «الغابة المرعبة»، مع الارتفاع الرهيب في معدّلات الجريمة: قتل، خطف، سرقات، تسليح، فلتان سلاح. 

وضمن هذه العبثيّة، فإنّ ثمّة إجماعاً على أن لا وجود لسلطة تفرض هيبتها وتتحمّل مسؤولياتها في توفير الحدّ الأدنى من الاطمئنان لشعبها. وفي غيابها، فإنّ «ثمّة من يعزف لحن موت البلد نهائياً، بعد موته مالياً واقتصادياً وقضائياً، وتشتّته بين أجندات سياسية مختلفة ومتصادمة»، وفق تعبير الطالبة الجامعية لارا (23 عاماً) لـ«البيان»، حيث إن فئات من اللبنانيين تحوّلت إلى «تجّار سوق سوداء» في كلّ مقوّمات حياة الناس وأساسياتها. 

وفي ضوء هذا الواقع، ارتفع منسوب الكلام عن أنّ ما تشهده يوميّات لبنان بات يشي بأنّ هذا البلد دخل مرحلة الفلتان الحقيقي، والفوضى الهدّامة، بكلّ تداعياتها المرعبة التي لا قدرة للبنانيين على التعايش معها.

Email