خرج بحثاً عن الحياة فمات في الطريق إليها

ت + ت - الحجم الطبيعي

كحال أغلب الشباب في قطاع غزة، قرر الشاب محمد ناصر، من دير البلح، الهجرة إلى أوروبا بحثاً عن المستقبل والحياة، بعد وصوله لأعلى مراحل اليأس لعدم قدرته على توفير فرصة عمل له، فمات خلال الهجرة من تركيا إلى اليونان، لعدم تلقيه العلاج المناسب، بعد عشرة أيام من الغياب وانقطاع أخباره عن أهله، إلى أن وصلهم خبر وفاته من أحد أصدقائه الذين رافقوه خلال الهجرة.

سبق وفاته أكثر من تسع محاولات للهجرة من تركيا لليونان، وفي كل محاولة يتم ضبطه وإرجاعه، وتناوب عليه عناصر المافيا في الطريق كثيراً بسرقة أمواله وهاتفه الشخصي، وتجريده من ملابسه، وإلقائه في الغابة.

محمد، شاب ثلاثيني مثل آلاف الشباب في غزة، الذين يكدون ويكدحون من أجل توفير لقمة عيشهم، وبناء مستقبل لهم، من أجل حياة أفضل، فعمل في الكثير من المهن كمشروع للدواجن والخراف، وسائق أجرة، طرق كل الأبواب للحصول على وظيفة، لكن كل هذه المشاريع باءت بالفشل، فقرر الهجرة.

في تركيا أيضاً، عمل لمدة عام في الكثير من مصانع الخياطة والسجاد والسيارات، فوجد نفسه يعمل فقط من أجل توفير طعامه اليومي فقط، ويخرج نهاية الشهر مديوناً.

والده وعائلته يجلسون منذ أيام أمام منزلهم وسط دير البلح في بيت عزائه، والألم يعتصرهم، ويعيشون في عذاب من اللحظة التي وصلت لهم أخبار عن ابنهم محمد تخبرهم بوفاته.

الأب كبير السن مصاب بصدمة، وأصيب بالإغماء منذ اللحظة الأولى التي وصلت فيها الخبر، ووالدته تبكي ليلاً ونهاراً على فقدان فلذة كبدها في بيتها، لكن وجعهم الأكبر أن ابنهم مات بعيداً عنهم، ويناشدون كل الجهات المختصة للعمل على نقل جثمان ابنهم إلى غزة، من أجل وداعه.

ويستذكر أبو محمد ناصر ما قاله ابنه: «فشل ابني في الكثير من محاولات الهجرة من تركيا لليونان، وكنا نتواصل معه يومياً، وفي رحلة هجرته الأخيرة قبل وفاته، هاتفني وأبلغني بأن هذه آخر محاولة له للهجرة، فإذا نجح سيكمل طريقه، وإذا فشل سيعود إلى غزة، لكنه سيعود محمولاً على الأكتاف».

وبحسب والده الذي أصابه القلق بعد فقدان الاتصال بابنه لأكثر من عشرة أيام، فقد ورده اتصال من أحد أصدقاء ابنه الذين رافقوه خلال رحلة الهجرة لليونان، أبلغه بأن ابنه محمد مريض، وتم نقله بعد عناء إلى مستشفى يوناني، قريب من منطقة وصل لها محمد خلال الهجرة.

وبعد مكوثه داخل المستشفى بساعات توفي.

صدمة أصابت العائلة والجيران في دير البلح، بفقدان شاب خرج من القطاع بحثاً عن الحياة، ومات في الطريق إليها، وما زاد الطين بلة، أن البعض طلب من عائلة محمد 25 ألف دولار مقابل نقل جثمانه إلى غزة.

ويضيف الأب المكلوم: «أنا لو معي هذا المبلغ الذي طلبوه مني، لأبقيت ابني بجانبي، وبنيت له بيتاً وزوجته، بدلاً من العذاب الذي شاهده في حياته ومماته».

Email