لبنان.. عودة طوابير محطات الوقود

ت + ت - الحجم الطبيعي

في موسم الشتاء، وحتى لا يتغير على اللبنانيين المشهد المعتاد، عادت الطوابير الطويلة إلى محطات البنزين، حيث لا حسيب ولا رقيب على مخزون الوقود لدى المحطات. تعددت الأسباب والنقص واحد، بدءاً من ارتفاع النفط عالمياً بسبب الوضع في أوكرانيا، مروراً بتقنين الشركات المستوردة تسليم المادة للمحطات، ووصولاً إلى تصريحات تدقّ ناقوس النفط وتهدد بالإقفال.

وهذه الخلطة، مجتمعةً، أحدثت هلعاً لدى اللبنانيين الذين تدافعوا كل في اتجاه، من تعبئة البنزين والمازوت، إلى تخزين الزيت، والطحين، تحسباً لأيام صعبة. أما الفوضى، فبدت نموذجاً متقدماً عما سيشهده اللبنانيون في زمن العبور إلى الانتخابات النيابية المقبلة.

وهكذا، «دقّت» تنكة البنزين مجدداً بجيْب اللبنانيين، عبر زيادة ألهبت كلفة معيشتهم وأوجاعهم في بلد مثخن بالجراح، في وقت أصبحوا متروكين من دون أي حماية اجتماعية، مع ما يعنيه الأمر من الاصطفاف في طابور جديد على امتداد انقطاع السلع الحياتية الحيوية.

وأمام هوْل المصائب المنهمرة فوق رؤوسهم، ما كان ينقص اللبنانيون سوى نكبة بلدهم بنوع آخر من «الأمراء»، أخطر من «أمراء الحرب» الذين تقاتلوا بالمدفع والرشاش خلال الحرب الأهلية اللبنانية (1975- 1990)، هم «أمراء السوق السوداء» الذين حوّلوا البلد إلى سوق سوداء للدولار والمحروقات، والسلع المدعومة والدواء، والغذاء، وسوق للتهريب والاحتكار والتحكم بالأسعار.

جريمة بلا مجرم

وفيما قطاع النفط وبعض المواد الغذائية، الذي «احترف» الاحتكار وتدرّب عليه على مدى السنتين الماضيتين، يقدم «عروضاً جديدة» من مسرحية إخفاء مواد قد تتأثر بالحرب المندلعة هناك، ووسط الأزمات المستمرة، المتنقلة والمفتوحة في آن، والتوقعات بأن تصبح «طوابير الذلّ» متحورة ومتمددة، فإن ثمة إجماعاً على أن مشهد الانهيارات المتتالية تُختصر بعبارة من 3 كلمات: «محتكرون، مخزّنون، ومهرّبون»، فيما «الجريمة من دون مجرم»، وفق قول أحدهم لـ«البيان»، مدّعماً موقفه من واقع المحروقات بالقول: «المازوت يتمّ توقيفه ومصادرته، ويُترك الجاني، المتهم والمسؤول عن الأزمة عن سابق تعبئة وتخزين».

ولا تزال كل الملفات مفتوحة على مصراعيها، إما لمحاولة المعالجة وإما للمزيد من التعقيد، وقد صارت أسماء الملفات محفوظة عن ظهر قلب: الكهرباء، الوقود، الغاز، الدواء، المستلزمات الطبية، والمدارس والأقساط.

أما في المقلب الآخر من الصورة، فحكومة «معاً للإنقاذ» صارت بحاجة إلى من ينقذها: دولارها يتوجه صعوداً، تحرسه العتمة الشاملة، البطاقة التمويلية التي كانت بالأمس ضرورة ما عادت أولوية، البلد الغارق في شبْر محروقات، أصبح عائماً على ثروة من غاز نائم في البحر ومفقود من المنازل.

Email