الإمارات تقدم نموذجاً ملهماً في التعامل مع تحديات المناخ

التغيرات المناخية.. أين العرب من السيناريو المرعب؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

تتباين استجابة الدول العربية في إدارة ملف التغيرات المناخية، ما بين دول نجحت في اعتماد استراتيجيات وطنية والمضي قدماً في تنفيذها، مع إطلاق مبادرات ورؤى خاصة تضرب من خلالها نموذجاً في الاستجابة للهدف الـ 13 من أهداف التنمية المستدامة 2030، ودول أخرى لا تزال تواجه تحديات وتعاني قصوراً، رغم أن المنطقة العربية ضمن أكثر الدول تأثراً بتداعيات التغير المناخي.

تظهر وسط هذه الصورة المتشائمة تجربتان في المنطقة، وهما تجربتا الإمارات والسعودية اللتين تبذلان جهوداً في إطار التعامل مع هذه القضية على أكثر من صعيد.

تقرير الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ (آي بي سي سي) حذر من التغيرات المناخية حول منطقة البحر الأبيض المتوسط.

وأشار إلى أن هذه منطقة مهدّدة بشكل خاص، حيث ارتفعت درجة حرارة المياه في البحر المتوسط ​​بمقدار 1.5 درجة منذ العصر الصناعي، وارتفع مستوى سطح البحر من 0.2 ملم إلى 1.4 ملم سنوياً خلال نهاية القرن الماضي.

الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، جدّدت - في تقريرها الذي نشرته وكالة معاً الفلسطينية - التحذير من أن التغيرات المناخية والبيئية من شأنها تهديد الحياة على كوكب الأرض.

ويحذر معدو التقرير من أن الاتجاه المستمر للاحتباس الحراري سيؤدي إلى قفزة حادة في الأحداث المناخية المتطرفة، ويتوقعون أنه بحلول نهاية القرن سترتفع درجة الحرارة 0.9 درجة لتصل إلى 5.6 درجات، اعتماداً على كمية الانبعاثات. ومن المتوقع أن يكون معدل الاحترار السنوي في دول البحر المتوسط ​​20٪ إلى 50٪ أعلى مما كانت عليه في العقدين الماضيين.

وبحلول عام 2100، وفقاً للباحثين، من المتوقع ارتفاع مستوى سطح البحر من 60 إلى 110 سم في السيناريو المتشائم وبين 30 و60 سم في السيناريو الأقل تشاؤماً.

في تقارير سابقة للأمم المتحدة، لم يتناول الباحثون منطقة البحر الأبيض المتوسط ​​في فصل منفصل، لكنهم أظهروا أن جميع مناطق البحر الأبيض المتوسط ​​تقريباً معرضة لمخاطر كبيرة بسبب تغير المناخ.

وأشار التقرير إلى أن «التغير المناخي والطقس المتطرف يضران فعلياً بالاقتصاد العالمي وقالوا إنه إذا استمر هذا الوضع من دون أي تحرك لتغييره فسيؤدي إلى وقوع ملايين آخرين في براثن الفقر ويرفع أسعار المواد الغذائية ويُحدث اضطراباً في أسواق التجارة والعمل».

وثمة من يتساءل عن الاستراتيجية العربية للتعاطي مع هذه المخاطر.

الاستراتيجية العربية

كانت مؤسسة حقوقية بحثية في مصر، أطلقت تقريراً شهرياً يرصد تطورات الاستراتيجيات العربية في إدارة ملف التغيرات المناخية، وفقاً لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي. سلطت أحدث تلك التقارير على أوجه القصور التشريعي المتعلق بالتغير المناخي في بعض الدول. ودعا التقرير إلى إعادة النظر في التشريعات المنظمة لتتناسب مع الهدف الخاص بمكافحة التغيرات المناخية.

تسلط التقارير، الصادرة عن مؤسسة ماعت للسلام والتنمية، أيضاً الضوء على النماذج الإيجابية، ومن بينها النموذج المصري، لما بذلته الحكومة خلال الفترة الماضية من ممارسات واضحة بهذا الخصوص، يأتي على رأسها إطلاق «الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ 2050».

فيما تبزغ من ناحية أخرى إشكاليات واضحة في إدارة ذلك الملف في دول النزاعات، مثل سوريا واليمن والصومال، حيث يعاني ملف إدارة التغير المناخي في هذه الدول من قصور، مقارنة بملفات مرتبطة بالعامل الاقتصادي والأمني.

وبالتوازي مع ذلك، تبزغ أهمية الشراكة المناخية بين الدول العربية، والتي تقوم على تبادل الخبرات، فضلاً عن التوسع في تدريب العاملين من أجل رفع القدرات في مجال التغير المناخي.

تجربتان مهمتان

يتحدث المستشار والخبير الاقتصادي د.كمال أمين، عن تجربتين في الشرق الأوسط، وهما تجربتا الإمارات والسعودية. أما عن الإمارات، فيرصد خطوطاً عريضة من تجربتها الملهمة في المنطقة، بقوله: «هناك جهود تبذل في إطار التعامل مع هذه القضية على أكثر من صعيد، ويبدو الاهتمام الواسع بهذا الأمر في شتى القطاعات.. يوضّح أن هناك عدداً كبيراً من المشروعات نابعة من أولوية مكافحة التغير المناخي ضمن أجندة التنمية المستدامة لرؤية الإمارات ومنها الخطة الوطنية للتغير المناخي (2017 - 2050)».

تهدف الخطة إلى إدارة انبعاثات الغازات الدفيئة على مستوى الدولة مع الحفاظ على النمو الاقتصادي المستدام وتقليل المخاطر وتحسين القدرة على التكيف مع التغير المناخي، إضافة إلى تعزيز التنوع الاقتصادي على مستوى دولة الإمارات من خلال حلول مبتكرة بالتعاون مع القطاع الخاص.

ويشير بموازاة ذلك إلى أن محورين رئيسيين، وهما سعي الإمارات إلى الحد من الانبعاثات وتقليل المستوى الحالي، إضافة إلى المضي قدماً للتوسع في الاستثمارات الخاصة بالطاقة النظيفة، مؤكداً أن «هذا واضح جداً من خلال الاهتمام بمحطات الطاقة النووية السلمية، حيث تعتبر الإمارات من الدول الرائدة في العالم العربي التي سارت في هذا الاتجاه».

ويضيف: «هذا واضح أيضاً من الاستثمارات الضخمة في قطاع الطاقة الشمسية»، مستدلاً بمحطة نور أبوظبي للطاقة الشمسية، وكذا مجمع الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية، مشدداً على أن هناك خططاً إماراتية لتحفيض الانبعاثات في القطاعات كافة بنسبة أكثر من 23 بالمئة حتى العام 2030.

وبالحديث عن الاستثمارات الإماراتية في الطاقة النظيفة، يلفت المستشار الاقتصادي في الوقت نفسه إلى أن تلك الاستثمارات تتجاوز أيضاً حدود الدولة، ويظهر دور الاستثمارات الخارجية ببعض المشاريع وكذا المساعدات لبعض الدول في هذا الإطار.

السعودية الخضراء

وحول نموذج المملكة العربية السعودية الطموح في هذا الإطار، أوضح أن المملكة - التي أطلقت مبادرة السعودية الخضراء هذا العام - تتبنى خططاً وبرامج ومبادرات مختلفة في إطار جهود مكافحة التغير المناخي.

ويلفت إلى ما تتضمنه رؤية المملكة 2030 من مستهدفات مرتبطة بتخفيض أو تقليل الاعتماد على النفط كمصدر أساسي في الاقتصاد السعودي، والوجه نحو اقتصادي صديق للبيئة، بما يحمل في طياته الاعتماد بشكل أكبر على مصادر الطاقة النظيفة وغير الملوثة للبيئة، مع جهود خفض انبعاثات الكربون، مشيراً كذلك إلى استثمارات السعودية في الطاقة الشمسية.

كما يشير إلى أن جهود المملكة تؤتي ثمارها وتتجسد من خلال مشروع إنتاج الهيدروجين الأخضر أو الأمونيا الخضراء، وذلك بصفة أن السعودية من أهم مصدري الطاقة، وبهذا الأمر سوف تكون هناك انعكاسات واسعة ليس فقط داخل السعودية، إنما خارجها كذلك، مختتماً تصريحاته بقوله: «نأمل أن يكون هناك إدراك من صانعي السياسة ومتخذي القرار حول العالم بشكل أكبر بمدى خطورة الآثار السلبية وتداعيات التغير المناخي على العالم».

شرق أوسط أخضر

ويشير الخبير الاقتصادي السعودي د. سالم باعجاجة، إلى مبادرة «السعودية الخضراء» و«الشرق الأوسط الأخضر»، موضحاً أنها «مبادرة عالمية انطلقت من السعودية، لتشجيع النهج الاقتصادي الدائري للكربون، بما يتوافق مع خطط المملكة التنموية، وبما يحفظ دورها الريادي في تعزيز أمن واستقرار أسواق الطاقة».

و«السعودية الخضراء» هي مبادرة أعلن عنها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في 27 مارس من العام الماضي، بهدف زيادة الغطاء النباتي، وتقليل انبعاثات الكربون، ومكافحة التلوث وتدهور الأراضي، والحفاظ على الحياة البحرية، وفي 23 أكتوبر الماضي أطلقت المملكة النسخة الأولى للمنتدى السنوي لمبادرة «السعودية الخضراء» في الرياض، الذي يعنى بإطلاق المبادرات البيئية الجديدة للمملكة، ومتابعة أثر المبادرات التي تم الإعلان عنها سابقاً، بما يحقق مستهدفات المبادرة.

Email