حكومة لبنان أمام المجهر مجدّداً.. الإنقاذ واستعادة الثقة

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد أشهر من تعطيل جلسات مجلس الوزراء، وتحديداً منذ 12 أكتوبر الماضي، أطلّ ثنائي «أمل» و«حزب الله» على اللبنانيّين ببيان مشترك مفاجئ، مفاده موافقة الطرفيْن على العودة إلى المشاركة في مجلس الوزراء، من أجل إقرار الموازنة العامّة للدولة، ومناقشة خطّة التعافي المالي. أمّا قراءة ما بين سطور البيان، فأنبأت أنّ العودة لن تكون لجلسة واحدة بل لجلسات عدّة، وذلك بالتزامن مع ارتفاع منسوب الكلام عن تقدّم في محادثات فيينا، وعن إمكانيّة عودة العلاقات الدبلوماسيّة بين الرياض وطهران.

وفيما لا خبر يعلو على إعلان «الثنائي» العودة إلى جلسات الحكومة «دحضاً لاتّهامه بالتعطيل»، كما ورد في البيان، مقروناً بإشارة قويّة إلى استمراره في رصْد المسار القضائي الذي يتبعه القاضي طارق البيطار في مسألة انفجار مرفأ بيروت، وفي انتظار الأيام المقبلة، لتبيان ما إذا كان هذا الإعلان مجرّد مصادفة، أم إنّه مرتبط بالمناخ الإقليمي والدولي الإيجابي، رحّب رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بالخطوة، وأعلن أنّه سيدعو إلى انعقاد جلسة لمجلس الوزراء فور تسلّمه مشروع قانون الموازنة من وزارة المال. 

وفي محصّلة المشهد المفاجئ، ولوْ في إطار لا يزال يحتاج إلى بعض الوقت لتلمّس تفاصيله، أشارت مصادر وزاريّة لـ«البيان» إلى أنّ الضرورة القصوى باتت تتطلّب انعقاد الحكومة، لمواكبة المفاوضات التي باتت قريبة جداً مع صندوق النقد الدولي، حيث يُفترض أن يذهب الوفد اللبناني المفاوض إلى المفاوضات مدعّماً بـ «خطّة التعافي»، التي يُفترض أن يفاوض عليها مع صندوق النقد، والتي تفترض قبل ذلك إقرارها في مجلس الوزراء.

وإذا كانت بعض التقديرات الفوريّة لتراجع «الثنائي» ربطه بأبعاد خارجيّة، تتصل بتطوّرات المفاوضات في فيينا، فإنّ ذلك يبدو في حاجة إلى التريّث، لأنّ التطوّرات الداخليّة تبدو الدافع الأبرز. وعليه، يصعب تجاهل تعداد الدوافع السلبيّة، الأكثر من أن تُحصر، التي وقفت وراء تراجع «الثنائي» عن مقاطعة جلسات مجلس الوزراء، في خضمّ انزلاق البلد بخطورة عالية نحو أخطر مراحل الانهيار. أمّا على المقلب الآخر من الصورة، فكلامٌ عن أنّ إقرار الموازنة وخطّة التعافي المالي والاقتصادي، وما يتصل بتحسين الأوضاع المعيشيّة، سيفتح الباب أمام انطلاق المفاوضات بين لبنان وصندوق النقد الدولي، بما يعمّم مناخات أوليّة من الإيجابيّات التي تعوّل على هذه الخطوة. ذلك أنّ كلّ برامج التعافي والإنقاذ لن تجد لاستنهاض لبنان سبيلاً، ما لم تستنهض حكومته نفسها أولاً، فتلمّ شملها تحت سقف مجلس الوزراء لإقرار ما هو مطلوب منها، دولياً وعربياً، بغية إثبات جديّة العمل باتجاه الإصلاح ووقف الهدر والفساد، توصلاً إلى استعادة ثقة الداخل والخارج على حدّ سواء.

وفي المحصّلة، فإنّ ثمّة إجماعاً على أنّ السياسيّين اللبنانيّين يجيدون كلّ مرة اللعب على حافة الهاوية، وهم، قبل السقوط العظيم، يحاولون التقاط الأنفاس، إمّا تحت ضغط فقر الناس وجوعهم، وإمّا تحت ضغوط قد تكون أكبر وغير معلنة بعد، مع ما يعنيه الأمر في سجلّ حكومة الرئيس ميقاتي التي، وبعدما كانت حكومة «معاً للإنقاذ» رسميّاً، تحوّلت إلى حكومة «استعادة الثقة»، ولو بطريقة غير رسميّة، وذلك في سياق الاستجابة للمطالب الداخلية والخارجيّة. أمّا الإجابة النهائيّة عن الأسئلة المرتبطة بهذا المستجدّ، فمتروكة للأيام والأسابيع المقبلة.

Email