لبنان في جرْدة نهاية العام: جمود سياسي وتعطيل ثابت

ت + ت - الحجم الطبيعي

على مسافة قريبة جداً من السنة الجديدة، قال كلّ من الرئيس اللبناني ميشال عون ورئيس الحكومة نجيب ‏ميقاتي ما عنده في شأن الملفّات الخلافيّة، في حين بدأت الاهتمامات الداخلية والخارجية ‏تنصبّ على الانتخابات النيابيّة المنتظرة في 15 مايو المقبل، ما يجعل الرهان ‏على أيّ انفراج قبل هذا الموعد أشبه بسراب، خصوصاً أنّ الجميع ‏يعتبرون هذا الاستحقاق محطة مفصليّة بالنسبة إليهم، كما بالنسبة ‏إلى مستقبل البلاد التي تبدو وكأنّها تتحرّك بقضاياها المتعدّدة على ‏إيقاع المفاوضات الجارية، العلنية والمستترة، في شأن الأزمات ‏الإقليميّة التي لم تثمر أيّ نتائج عمليّة بعد.

جرْدة حساب
وفي جردة نهاية العام، أتحف المسؤولون اللبنانيّون بإطلالاتهم، وشخّصوا حالة البلد المستعصية وخوفهم على المصير، بدءاً من رئيس الجمهورية الذي وزّع الاتهامات في كلّ الاتجاهات وأعلن بدْء «معركة بناء الدولة»، وما لم يحقّقه في سنواته الـ5ـ حشد له الوعود فيما تبقّى من عمر العهد، ووصولاً إلى ميقاتي الذي قدّم جرْدته كرئيس حكومة مع وقف التنفيذ، وأشار إلى تريّثه في الدعوة إلى عقد جلسة لمجلس الوزراء، لأنّه يراهن على «الحسّ الوطني» لدى جميع الفرقاء، مجدّداً شعار النأي بالنفس، وملاقياً الرئيس عون في الدعوة إلى طاولة حوار لتحديد سياسات لبنان الخارجيّة، مع إضافة بنْد أساسي، وهو علاقة لبنان بالدول العربية، ولا سيّما مع دول الخليج، من بوّابة تشديده على «عدم التدخل في شؤونها الداخلية، أو الإساءة إليها بأيّ شكل من الأشكال، وعدم الانخراط في ما لا شأن لنا به، ولا سيّما في اليمن». وبمعنى أدقّ، اختصر عون رسالته بعنوان الدعوة للحوار على أمل الإنقاذ، وضرورة اجتماع مجلس الوزراء، مرفقاً إيّاه بـ«صحوة» متأخرة جداً للبحث في الاستراتيجيّة الدفاعيّة، فيما جاء كلام ميقاتي تحت عنوان ضرورة الوفاق قبل الدعوة للجلسة الحكوميّة، وذلك منعاً لتعقيد المعقّد. وما بين كلام الرئيسيْن، ثمّة إجماع على أنّه لن تكون هناك طاولة حوار، ولا دعوة إلى جلسة لمجلس الوزراء في وقت قريب، ‏ما لم تتبدّل المواقف الجامدة إزاء كثير من القضايا المطروحة، فيما ارتسم سؤال ضمن أسئلة كثيرة: ما هي الخطوات المقبلة المرتقبة؟

خلاصة
وفي الانتظار، ضجّت القراءات السياسيّة بالإشارة إلى أنّ إطلالة عون مرّت كـ«ضربة سيف في الماء» على أرض الواقع السياسي، من دون أن تخلّف وراءها أثراً يُقتفى على ضفّتَي الحلفاء ‏والخصوم، فكان وقعها باهتاً في ميزان المواقف وردود الفعل التي تفاوتت بين تجاهل وبرودة ‏من جانب شركاء العهد في سدّة الحكم، وتفاعل مقتصر على تجديد انعدام الثقة بطروحات ‏العهد من جانب خصومه، وحماسة انحصرت بـ«التيار الوطني الحرّ» لتلبية الدعوة إلى طاولة ‏الحوار.

أمّا ميقاتي، ووفق القراءات أيضاً، فقد أجهض فكرة تغيير النظام، التي طرحها ‏عون، انطلاقاً من إعادة «التمسّك باتفاق الطائف، بوصفه الإطار الدستوري الصالح لتطبيقه في ‏لبنان»، فضلاً عن إعادة تأكيده، ردّاً على استعجال عون الدعوة إلى انعقاد ‏مجلس الوزراء، أنّه لن يوجّه مثل هذه الدعوة من دون التوافق مع «حزب الله» و«أمل» عليها، وذلك «حتى ‏لا يشكّل هذا الأمر تعقيداً إضافياً يصعب تجاوزه ويُفقد الحكومة التوافق المطلوب لانتظام ‏عملها».

أمّا على المقلب الآخر من الصورة، فإنّ الأمور السياسية والاقتصادية والاجتماعية لا تزال معقّدة، وكلّ الحراك لتقريب وجهات النظر بين المسؤولين، أو اجتراح أيّ حلّ، باء بالفشل، فيما تشريك العبوات السياسيّة والقضائية والاقتصادية لا يزال على حاله، ما يزيد من تعقيدات الأزمة. وبالتالي، مع ضيق المهل الضاغطة على جميع المناورين، والخانقة لكلّ اللبنانيّين، يستعدّ العام الحالي لتسليم خلفه إرثاً ثقيلاً.

 

Email