النيران تؤجج أزمات لبنان والأسباب تحت الرماد

ت + ت - الحجم الطبيعي

 حاصرت نيران الأحراج الخريطة اللبنانيّة، من شرقها إلى ‏غربها ومن شمالها إلى جنوبها، فأوقعتها تحت لهيب «زنّار نار» متمدّد التهم «الأخضر ‏واليابس» وحاصر في بعض المناطق المنازل السكنيّة، وسط تقاطع المعلومات الأوليّة عند ‏توجيه أصابع الاتهام إلى «جهات منتفعة» تقف وراء افتعال بعض من هذه الحرائق، عبر ‏إشعال شرارتها الأولى، لتتولّى الرياح التشرينيّة مهمّة توسيع رقعتها. علماً أنّه، وفي شهر نوفمبر من العام 2019، «أكلت» النار معظم أخضر لبنان قبيل عيد الاستقلال بأقلّ من أسبوع. ومنذ يوم السبت الماضي، لا تزال النار تلتهم الأخضر الحيّ الباقي، وكأنّها صارت موسماً أو فصلاً من فصول السنوات السود.

وبغضّ النظر عمّا ستؤول إليه نتائج ‏التحقيقات الجارية لتحديد أسباب اندلاع الحرائق المتزامنة، وتبيان ما إذا كانت «بفعل فاعل»، ‏فإنّ السلطة تبقى هي نفسها «المتهم» الأول والأخير بارتكاب هذه الجريمة البيئيّة، سواءً من ‏خلال كونها مسؤولة عن التغطية الموسميّة لاندلاعها من دون أن تحرّك ساكناً في سبيل ‏وضع خطّة طوارئ وطنيّة، ودعم الدفاع المدني ورفده بالتجهيزات اللازمة لمكافحة الحرائق، ‏أو من خلال ما يُحكى عن ضلوع سماسرة نافذين في ارتكاب هذه الجريمة الحرجيّة لغايات ‏لها أبعاد متصلة بمصالح عقاريّة في بعض الأماكن، وبمصالح ربحيّة تتعلّق بتجارة الحطب ‏في أماكن أخرى.

وعلى جاري العادة الموسميّة، خصوصاً في «التشرينيْن» (أكتوبر ونوفمبر)، اجتاحت الحرائق أحراج لبنان، من الجنوب إلى الشمال مروراً ‏بالجبل، خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي، ولا تزال مستمرّة، وذلك بعشرات «المذابح» الحارقة التي لم تترك وراءها بقعة خضراء واحدة، في اجتياح ناري خلّف ‏مساحات هائلة متفحّمة. أمّا في المقلب الآخر من الصورة، فبدا الاستنفار الواسع للجيش والدفاع المدني وفرق الإطفاء والبلديات كأنّه بـ«اللحم الحيّ»، كما دائماً، نظراً إلى أنّ ‏‏الدولة لا تقوى حتّى على لملمة أزمة انعقاد مجلس الوزراء للتفرّغ ‏لإنقاذ ما تبقّى من أشلاء البلاد، فكيف باستدراك إرْث مزمن من الإهمال والفساد، اللذين جعلا لبنان يواجه كلّ فترة ‏اجتياحات ناريّة مخيفة كهذه بـ«اللحم الحيّ» للجيش وفرق المتطوّعين، المفتقرين إلى أدنى الأدوات الحديثة والمتطوّرة، ‏كما إلى الطائرات المختصّة بإخماد الحرائق؟

وفيما ارتفعت الاتهامات بالتخريب والإشعال «القصدي» فوق الأسباب الطبيعيّة، لأنّ كلّ ما في البلاد وراءه معطّل ومتسبّب وفاعل، مع ارتفاع منسوب الكلام على أنّه لن تكون هناك توقيفات ولا محاسبة للسلطة، ما يعني أنّ الحرائق قد تتجدّد في أيّ لحظة طالما المحاسبة غائبة، فقد اختار اللبنانيون المحروقة أراضيهم وقراهم أن يتّهموا فاعلاً مجهولاً، صبّ الزيت على النار، ومنهم المزارع «أبو فراس»، الذي اختصر واقع الحال بقوله لـ«البيان»: «دولتنا غير مجهّزة بأسلاك إطفائيّة، حيث صراع مأموري الأحراج لا يزال جمراً طائفياً، وتعزيز قدرات الدفاع المدني تلتهب في كلّ مرة قبل أن تُطفأ وتوضع في الأدراج. أمّا طائرات الإخماد، فهي محدودة العدد ولن تفي بالغرض». وعلى هذا الواقع، اختبرت قرى لبنانية عديدة لهيب نيران هدّدت المنازل المأهولة، بعدما أحرقت الأخضر واليابس، وسط فقدان وسائل الإطفاء المتطوّرة أو المتخلّفة على حدّ سواء، وفي وطن لا يزال يتناحر على وضعيّة مأموري الأحراج، ولا يمنح الحقوق لمتطوّعي الدفاع المدني.

Email