لبنان تحت مجهر العالم..أزمات وانفصام عن الواقع

ت + ت - الحجم الطبيعي

«التقيت في زيارتي لبنان أشخاصاً يعتمدون على المنظمات الدولية وغير الحكومية للبقاء على قيد الحياة، وأطفالاً صغاراً حلمهم الوحيد مغادرة البلاد في أقرب وقت ممكن، ونساء يتحملن العنف المنزلي ويقتطعْن من وجباتهن لحماية أطفالهن، وشباباً في مقتبل الحياة لا آفاق لحياتهم»، مشاهد نقلها المسؤول الأممي، المقرر الخاص المعني بالفقر وحقوق ‏الإنسان، أوليفيه دي شاتر، إلى أروقة الأمم المتحدة، وعكس عبر المأساة التي يعيشها اللبنانيون تحت حكم سلطة يصفها الكثيرون بأنّها فاقدة لحس المسؤولية حكمت على الشعب بالموت فقراً وقهراً، تاركة الناس يتضورون جوعاً بعدما نهبت أموالهم ودمرت عملتهم الوطنية، فيما المتوافر الآن وفق أحدهم ارتفاع شرس للدولار، وتسعيرتان للمحروقات، وشتاء مقبل على ما تيسر من حطب.

في ختام مهمة استمرت 12 يوماً، خرج المسؤول الأممي بمضبطة اتهام، تفيد بأن مسؤولي الحكومة ليس لديهم أدنى شعور بضرورة التحرك العاجل، ولا العزم لتحمل مسؤوليّاتهم، مع إشارته إلى أنه اجتمع بـ9 وزراء ومسؤولين كبار، وبينهم رئيسا الحكومة ومجلس النواب، والذين يعيشون في عالم خيالي في بلد بات جرس إنذار للعالم، بسبب تحالف بالغ الضرر بين رجال الأعمال والنخب السياسية، فيما يعاني ثلاثة أرباع السكان ممن كانوا ينتمون إلى الطبقة المتوسطة، الفقر، مختصراً واقع الحال بعبارة واحدة: «أنا مندهش جداً من حقيقة أن هذه الدولة في طريقها إلى الفشل، إنْ لم تكن بالفعل قد فشلت».

وما لم يقله المسؤول الأممي، اختصره مصدر بقوله لـ«البيان»: «في لبنان اليوم، لا وجود لحكومة، بل لشبه حكومة ولوزراء يجتمعون إفرادياً، ولرئيس حكومة استعاض عن اجتماع الحكومة بلجان وزارية واجتماعات جانبية».

توثيق مأساة

وثقت الزيارة الأممية للبنان وقائع معيشية مؤلمة إلى درجة لم يجد أمامها المسؤول الأممي سوى الوقوف مذهولاً إزاء السلطات وإمعانها في إفقار اللبنانيين، ليخلص المسؤول الأممي في ختام زيارته، إلى تشخيص حالة الانفصام عن الواقع التي تعيشها السلطة، مع ما يرافقها من عوارض تقصير في المسؤولية على أعلى مستويات القيادة السياسية، مفنّداً ارتكاباتها، بدءاً من كونها دمرت العملة الوطنية، مروراً بتعميقها عدم المساواة، ووصولاً لتخريب حياة الناس وإفقار الملايين من خلال أزمة مصطنعة.

ولم تكن شهادة رجل الأمم المتحدة وحدها على قارعة الزيارات الدولية والعربيّة للبنان، وإنْ صُنّفت في خانة أقسى الإدانات الدولية للسلطات اللبنانية، فكل من جاء دُهِش وأصيب بعارض الذهول، من المفوضية الأوروبية إلى جامعة الدول العربية، وقبلهم الألماني والفرنسي، فيما الحكومة لا تزال عالقة بين الشلل والمحاولات اليائسة لإحيائها.

Email