أزمات لبنان أمام طريق مسدود

ت + ت - الحجم الطبيعي

يخيم الانتظار القاتل على كل ملفات لبنان، بدءاً من عدم تفعيل عمل الحكومة، مروراً بتوقف التحقيقات في ملف مرفأ بيروت، وصولاً للصورة القاتمة للعلاقات اللبنانية الخليجية، فيما عيون اللبنانيين على الانتخابات النيابية في الربيع المقبل وآمال التغيير من خلالها، في وقت بلغ فيه المشهد الداخلي ذروة التخبط والإرباك والانقسام سياسياً وطائفياً واجتماعياً واقتصادياً وقضائياً، والذي سد الأفق بالكامل وعمق المأزق لتنعدم معه أي فرصة في الإنقاذ، ما جعل مصير وطن وشعب مفتوحاً على سيناريوهات سوداء تدفعه للهاوية.

وفيما تسير البلاد على غير هدى، متعثرة بالملفات المالية والقضائية والدبلوماسية، بتداعياتها الأمنية والاقتصادية وإسقاطاتها الخطيرة على الأمن القومي، ما وضع لبنان الدولة والكيان أمام الانهيار المحتوم، تبدو حكومة نجيب ميقاتي لا تملك حلاً ناجعاً ولا نظرة واحدة إلى أي من هذه القضايا الوجودية، ففي ملف القضاء نقلت المنظومة السياسية المعركة إلى داخل قصر العدل على خلفية التحقيق في انفجار المرفأ. وفي الشأن الدبلوماسي، وتحديداً في الأزمة المستعصية المتدحرجة مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج، لم يتمكّن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بعد من إيجاد المخرج الضروري لإزالة أسباب الأزمة التي فجرتها تلك التصريحات المسيئة لوزير إعلام لبنان جورج قرداحي.

إغلاق سياسي

وفي انتظار انتخابات نيابية صعبة الظروف، فإنّ البلاد تتجه نحو مزيد من الإغلاق السياسي في ظل الحكومة المتجمّدة، ومضي مسارات الأزمات التي تتخبّط فيها البلاد نحو مزيد من التفاقم على مختلف الأصعدة والمستويات، وسط شلل تام غير مسبوق في المبادرات السياسية الرسمية لتجاوز الانسداد الذي أصاب الحكومة في مقتل وجعل مجلس الوزراء يقبع في مربع التقاعد والانتظار القسريّيْن. في الجانب الآخر من الصورة، يواصل ميقاتي تسطير المزيد من مواقف النأي بالنفس عن تداعيات أداء حزب الله وتصريحات قرداحي، وهو جدّد التأكيد على أنّ تعاطيه بإيجابية وانفتاح مع التحديات لا يعني خروجه من تحت العباءة العربية، مشدّداً بهذا المعنى، على أنّه يمنح الحوار مداه الأقصى، لكنّه لن يحيد أبداً عن قناعاته وصون انتماء لبنان العربي، وسط تأكيدت أنّه لا يزال مصمّماً على وجوب استقالة قرداحي، وضرورة عودة مجلس الوزراء إلى الانعقاد، بمعزل عن مطلب حزب الله تنحية القاضي طارق البيطار.

قلق وارباك

ووسط الانسداد الحكومي، وفي انتظار ما سترسو عليه صورة الأزمة الدبلوماسية غير المسبوقة مع دول مجلس التعاون الخليجي، يبدو المشهد الداخلي في ذروة القلق والإرباك على مختلف المستويات، فيما الطاقم السياسي قد وصل الى طريق مسدود، متخبّطاً بعجزه عن ‏تجاوز أو مواجهة الضغوط الهائلة التي تطوّق لبنان من كل الجهات ‏الداخلية والخارجية، مع ما يعنيه الأمر من أنّ باب الاحتمالات السلبية بات مفتوحاً على مصراعيْه.

وضجّت القراءات السياسية بالإشارة إلى أنّ الأزمة الخانقة التي يتخبّط فيها لبنان هي ليست بين لبنان وعمْقه العربي، بل بين منطق الدولة ولامنطق الدويلة، وسببها المباشر أنّ الدولة المتراخية استسهلت منذ العام 2005، شراء سلْمها الأهلي وأمنها وعدالتها وعلاقاتها مع محيطها والعالم من خلال التنازل لحزب الله، وقد صغّرت إمكاناتها وكبرت متطلّباته، فخسرت كل مقوماتها، معنوياً ومادياً وبشرياً وأمنياً، كما علاقاتها مع العرب والعالم.

Email