لبنان.. أزمة دبلوماسية ومتاهة حكومية بلا أفق

ت + ت - الحجم الطبيعي

حتى الآن، لم يستوعب الداخل اللبناني الصدمة، التي أسقطت البلد في قطيعة أبعد من دبلوماسية. أما في المقلب الآخر من الصورة، فلا يزال السِباق على أشده بين محاولات بعض السلطة والحكومة في لبنان على إيجاد حل للأزمة التي فجرها وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي.

وغداة عودته من اسكتلندا، مشحوناً بدعم دولي وحصانة لحكومته واستمرارها في تحمل المسؤولية، قام رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بجولة رئاسية، أمس، لرسم خريطة حل شامل للخروج من المتاهة الحكومية، انطلاقاً من حل عقدة استقالة وزير الإعلام، وخلصت إلى قوله إن تصريحات قرداحي «أدخلت لبنان في محظور المقاطعة»، داعياً إياه مجدداً إلى «تحكيم ضميره، واتخاذ الموقف الذي ينبغي اتخاذه، وتغليب المصلحة الوطنية». وترقباً لما ستحمله المشاورات الرئاسية والسياسية من انبعاثات تصعيدية أو تبريدية على صفيح الأزمة الحكومية، وضع ميقاتي موقفه على الطاولة، لحفظ ماء وجه السلطة وإعادة تعويم العهد وحكومته الأخيرة.. وذلك، وسط مخاوف من تجاوز القطيعة الخليجية للبنان إلى إجراءات اقتصادية أشد صرامة.

قالب إيجابي

وفي الانتظار، ترددت معلومات مفادها أن ميقاتي حزم أمره لناحية وجوب تعبيد الطريق باتجاه تقديم قرداحي استقالته، بمعنى تأمين إخراج معين للاستقالة، يضعها ضمن قالب إيجابي هادف إلى إعلاء المصلحة الوطنية، وإعادة التأكيد على حرص الحكومة وعزمها على تبديد كل ما من شأنه تعكير العلاقة مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي. وفي المعلومات أيضاً، فإن أجواء الرئاسة الأولى توحي بأن الرئيس ميشال عون متوافق مع رئيس الحكومة على ضرورة استقالة قرداحي، على أن يبقى التباحث بينهما، وبالتشاور مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، في «السيناريوهات المحتملة» لتقديم هذه الاستقالة، لا سيما وأن كل الأوساط العربية والدولية، التي استفتاها لبنان في سبل حلحلة الأزمة مع السعودية، ركزت على استقالة قرداحي باعتبارها «نقطة البداية» في هذا الاتجاه.

استسهال الدولة

وفي الانتظار أيضاً، وعلى توقيت الإحباط اللبناني وانهيار الحلول والصيغ والمخارج وضعف الرهانات، وتهديد الاستحقاقات المقبلة، وبينها الانتخابات النيابية، ضجت القراءات السياسية بالإشارة إلى أن الأزمة الخانقة التي يتخبط فيها لبنان هي ليست بين لبنان وعمقه العربي، بل بين «منطق الدولة» و«لا منطق الدويلة»، وسببها المباشر أن الدولة المتراخية استسهلت، منذ العام 2005، شراء سلمها الأهلي وأمنها وعدالتها وعلاقاتها مع محيطها والعالم من خلال التنازل لـ«حزب الله»، وقد صغرت إمكاناتها وكبرت متطلباته بحيث لم تعد قادرة على تسديد «الجزية»، فخسرت كل مقوماتها، معنوياً ومادياً وبشرياً وأمنياً، كما علاقاتها مع العرب والعالم، في حين لا يزال «حزب الله» ممعناً في غرز «الخنجر اليمني» في خاصرة الحكومة. وبمعنى أدق، فإن الأزمة تتمثل بكون لبنان أصبح في قلب أزمة المنطقة.

Email