لبنان.. ماذا بعد عامين على ذكرى انتفاضة 17 أكتوبر؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

غداة الأحداث الأليمة التي شهدها لبنان، الخميس، وتحديداً على ضفّتَي محلّة عيْن الرمّانة، والضاحية الجنوبيّة لبيروت، وما بينهما مستديرة الطيّونة، لا تزال النفوس مشحونة، ولا يزال الخوف من الآتي من الأيام، يعتري السكان الذين استفاقوا على دمار كبير في الممتلكات. أمّا الهمّ الذي يراود كلّ لبناني اليوم، وليس سكّان المنطقتيْن فقط، والذي يتعيّن على أكثر من فريق تبديده وصولاً إلى الدولة، فيتمثل بإعادة تثبيت السلم الأهلي، وإبعاد لبنان عن الكارثة التي كادت أن تحصل. 

وفي انتظار ما سيؤول إليه المشهد الدراماتيكي، يحيي لبنان، اليوم، الذكرى السنويّة الثانية لانتفاضة «17 أكتوبر 2019»، التي، وإنْ تراجعت وخفّ وهجها إلى حدود كبيرة، إلا أنّ ظروف اشتعالها ومسبّبات بقائها وتطوّرها، زادت أضعافاً مضاعفة عن زمن انطلاقتها، وذلك من بوّابة أحداث «14 أكتوبر الجاري»، التي نقلت البلاد، على نحوٍ بالغ الخطورة، إلى مقلب آخر، وضعها أمام خطر الانهيار الأمني، بعد الانهيارات المالية والاقتصادية والاجتماعية غير المسبوقة.

وغداة موقعة «الطيّونة» الدمويّة، وقبيل استكمال الأجهزة العسكريّة والأمنيّة تحقيقاتها ومسْحها لمسرح الأحداث، بادر «حزب الله» إلى رفع منسوب التوتر الداخلي، مركّزاً استهدافاته باتجاه «القوّات اللبنانية». في المقابل، كان الردّ مباشراً أيضاً من رئيس حزب «القوات»، سمير جعجع، داعياً الأمين العام لـ «حزب الله» حسن نصر الله، بأن يوقف تجييشه للفتنة، بالتوازي مع تشديده على أنّ «ما جرى عند مستديرة الطيّونة، كان بمثابة 7 مايو جديد عند المسيحيّين»، متصل بملف التحقيق العدلي في جريمة المرفأ، نافياً أن تكون «القوات» بصدد الدخول في أتون أيّ حرب داخليّة. 

وعليه، ارتفع منسوب التساؤل عمّا إذا كان «الثنائي الشيعي» «أمل» و«حزب الله»، سيكتفيان بالخطاب العالي مؤقتاً، بهدف استيعاب غضب شارعهما، على أن يحوّلا روافده نحو القضاء، ليجفّف الدم ويحقّق العدل، بما يعيد تثبيت السلم الأهلي، ويبعد لبنان عن كارثة، أم أنّهما سيسعيان إلى استعادة نغمة عزْل «القوات؟، فيما توسّعت رقعة السؤال لتشمل الدولة، بأجهزتها الأمنيّة والقضائيّة، عمّا إذا كانت ستمتنع عن لعب دورها في حماية السلم الأهلي، على شاكلة ما حصل يوم «الخميس الأسود»؟.. أمّا ما بين طيّات هذه التساؤلات، فارتفع منسوب مطالبة الدولة، ممثلةً بالحكومة، بلملمة «قطعها المبعثرة، ومن دون إبطاء». علماً بأنّ هذا الأمر «صعب جداً»، وفق القراءات المتعدّدة، لكوْن المشكلة تناسلت من إصرار «حزب الله» وحلفائه، على إقصاء المحقّق العدلي القاضي طارق البيطار، من ملفّ تفجير المرفأ، ما أدّى إلى تعطيل مجلس الوزراء والحكومة، عشيّة موقعة «الطيّونة»، فيما مواقف الحزب كلّها تؤكد أنّه ذاهب إلى المزيد من التصلّب في هذا الشأن، يقابله تحفّظ كبير من قبل الرئيس ميشال عون، ورئيس الوزراء نجيب ميقاتي، المتمسكيْن بفصل السلطات، رغم أنّهما يعملان على تخريجات، تبدو حتى الساعة صعبة التحقّق، لاسترضاء الحزب، من دون أذية القضاء والحكومة والدولة. وفي المحصلة، ووفق القراءات أيضاً، فإنّ كلّ شيء يشير إلى عطب حكومي كبير وطويل، فيما الأزمات المالية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، تواصل انحدارها إلى عمق الأعماق، مهدّدةً بفقدان فرص الإنقاذ المتاحة، وسط عودة خطر العقوبات الدوليّة إلى الارتفاع.

وأمام هذا الانسداد، وعند مستديرة «الطيّونة»، توقّف البلد، وكلّ ما عليها طار. فالحكومة دخلت مرحلة تصريف أعمال من البوّابة الخلفيّة، فيما التحقيق في جريمة المرفأ، ستلفّه الحصانات النيابيّة، اعتباراً من يوم الثلاثاء المقبل، فيما بدا واضحاً أنّ واقعة «الطيّونة» رسمت خطوطاً بالدم والسياسة في آن واحد.


 

Email