لبنان وميض نارٍ تحت رماد «تحقيق المرفأ»

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد التجييش الحزبي، الذي بلغ أوجه في الساعات الماضية، حيث دعا قياديو حزب الله وحركة أمل، عبر كل وسائل التواصل الاجتماعي، مناصريهم إلى الاستنفار التام، تحضيراً للتحرّك ضدّ المحقق العدلي في جريمة مرفأ بيروت، القاضي طارق البيطار، حدث ما كان متوقّعاً، وعمّت الفوضى الشارع، وما كان يُعرف بـ «خطوط التماس» خلال الحرب الأهلية اللبنانيّة، بعد أن انتشر فيها مسلحون وملثّمون مؤيّدون لحزب الله وحركة أمل، ما أسفر عن وقوع ستة قتلى وعشرات الجرحى. 

أشعل حزب الله وحركة أمل، فتيل الشارع، برسائل صوتية جرى تعميمها أولاً على المناصرين، طلباً للنفير، والاستعداد على الزوايا، للحظة صدور أمْر العمليات بقطع الطرق، وتقطيع أوصال العاصمة، للضغط باتجاه تنحية القاضي البيطار.

وفي ضوء هذه الرسائل، بدأت التحرّكات، بشكل متدرّج، بدءاً من تزنير قصر العدل بحزام مطلبي ناسف للتحقيق العدلي، فيما لم يبقَ هذا التحرّك مضبوط الإيقاع، كما كان مقرّراً، إفساحاً في المجال أمام تسليم الحكومة بالأمر الواقع، والرضوخ بالتي هي أحسن لمطالب حزب الله.

شهد الخميس، ولساعات طويلة، إطلاق نيران وقذائف، وجّهها عناصر حزب الله وحركة أمل، في اتّجاه المباني السكنية، وتحديداً في عيْن الرمّانة والطيّونة والشيّاح، حيث انتشر القنّاصون على السطوح، ما حاصر السكان العزّل في بيوتهم، والتلاميذ في مدارسهم، فيما عمل الجيش اللبناني على تطويق المنطقة، والانتشار في أحيائها، وعلى مداخلها، وسيّر دوريات، ما أدى إلى عودة الأمور إلى طبيعتها.

وفيما تمّ التداول في أكثر من رواية حول كيفية اندلاع الاشتباكات على محور الطيّونة - عين الرمّانة، إلا أنّ الثابت المرتبط بما جرى، تمثل بإبقاء ملف التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، جمراً ملتهباً تحت الرماد السياسي.

وعليه، انقلبت البلاد من مناخ إلى آخر، وانقلبت الأولويات رأساً على عقب. والواقع أنّ وزراء حزب الله، كانوا أوّل من خلع لباسهم الحزبي باكراً، في أوّل مواجهة أظهرت أن لا قرار يعلو القرارات الطائفية والحزبية، وأنّ أيّ معارضة لهذه المعادلة، تقود إلى مواجهة في الشارع. 

معركة مفتوحة

واستناداً إلى الوقائع المحيطة بالاشتباك السياسي- القضائي، حول تحقيقات المرفأ، سقط لبنان في غضون ساعات قليلة، في فرزٍ سياسي وقضائي وطائفي، بين فريق جَنّد نفسه في معركة مفتوحة، يمكن وصفها بمعركة كسْر عظم، لإطاحة المحقّق العدلي، وفريق تجنّد لتحصينه.

أمّا البلد، فشهد بروفة معركة، يصعب من الآن تحديد نطاقها، وتقدير تداعياتها، والمدى الذي قد تبلغه تداعياتها في الأيام المقبلة. وبرز على جبهة المعارضة، تصريحات تحذيريّة برسم رئيسَي الجمهورية ميشال عون، والحكومة نجيب ميقاتي، تضمّنت دعوات إلى تحمّل مسؤولياتهما، في رفض الإذعان لترهيب حزب الله، وإلا في حال خضعت الحكومة لهذا الترهيب، فعليهم جميعاً الاستقالة فوراً.

أمّا في مواجهة التهديد باللجوء إلى أساليب أخرى، لمحاولة إقصاء القاضي البيطار، على غرار ما حصل، فبرزت دعوات للشعب اللبناني، ليكون مستعدّاً لإغلاق عام شامل سلمي، في حال استمر الفريق الآخر في محاولات فرْض إرادته بالقوة.

وما بين المشهديْن، رست الصورة على إقدام حزب الله وحركة أمل، على تحريك الشارع، واستحضار «القمصان السود»، تحت عنوان واحد: «لا تراجع عن كف يد البيطار»، وسط ارتفاع منسوب المخاوف، من أن يصبح الشارع على ثنائيّات متعدّدة الأطياف.

Email