أزمات لبنان أمام طريقين.. المعالجة أو التعقيد

ت + ت - الحجم الطبيعي

في بلد يقع جغرافياً بين الخزّانات والعنابر، كاد الخزّان رقم «702» يتحوّل إلى نسخة مطابقة لكارثة العنبر رقم «12»: منشأة الزهراني على الطريق المؤدية إلى جنوب لبنان مرّت عليها، الاثنين، وهْلة مرفأ بيروت، فيما أصيب لبنان بحالة من الرعب مع خطورة الموقف والمكان، لما تحويه هذه المنشأة من مخزون نفطي، فضلاً عن أنّها ومعملها الكهربائي أحد الأمكنة المتبقية التي يُضاء عبرها لبنان ببضع دقائق في زمن العتمة الدامسة.

وفي بعض تفاصيل ما جرى، وفي غمرة أزمة الكهرباء والمحروقات، وبعد يوميْن من الاستعانة بالفيول من الجيش اللبناني لانتشال لبنان من العتمة، شهد البلد الغارق في شبْر محروقات «حبْس أنفاس» لأربع ساعات متتالية، على وقع حريق في منشأة الزهراني، قيل إنّه تقني وغير مُفتعل، وأحيل إلى لجنة تقصّي الحقائق وجمْع المعلومات والاستماع إلى إفادات العاملين، فيما البلد الذي يذوب «قلبه» للحصول على ليتر بنزين فاحترق أمام «عينيه» 250 ألف ليتر من البنزين، وكان لفدائيّي فوج الإطفاء والدفاع المدني مهمّة نزْع فتيل الانفجار الكبير، والتصدّي للنيران وإخمادها بوسائل محدودة منعاً لتمدّدها إلى باقي الخزّانات. وهنا، تجدر الإشارة إلى أنّ الحريق طاول أحد خزّانات البنزين التابعة للجيش اللبناني في منشأة الزهراني، التي لا تبيع مادة البنزين، بل ينحصر دورها في تخزين كميات منها لصالح الجيش والقوى الأمنيّة حصراً.

وهكذا، أقفلت حادثة «الزهراني» على خسائر بالخزّانات، لكنّ الحرائق المندلعة في عنبر تحقيق جريمة مرفأ بيروت لا تزال مشتعلة، وكلّما أراد المحقّق العدلي القاضي طارق البيطار إطفاء جزْء منها بالتحقيق مع المُدّعى عليهم، صبّوا البنزين على النار، بعلل اللعب على القانون، والهروب من المواجهة بافتعال الذرائع. ذلك أنّه، وعشيّة جلسة التحقيق التي كانت مقرّرة أمس واليوم مع المُدّعى عليهما النائبين علي حسن خليل وغازي زعيتر، سارت محكمة التمييز على خطى محكمة الاستئناف، فأصدرت قراراً برفض ردّ طلب المحقّق العدلي المقدّم من خليل وزعيتر لعدم اختصاصها. وهكذا أيضاً، اختار المُدّعى عليهم الهروب إلى الأمام والتلطّي خلف الحصانات النيابيّة، فيما اختار القاضي البيطار المواجهة، متسلّحاً بالعدالة والقانون، تؤازره عائلات الضحايا والمتضرّرون ورأي عام.

وفي انتظار تتبّع الأثر في ما ستؤول إليه مستجدّات مرفأ بيروت ومنشأة الزهراني، لا تزال كلّ الملفّات مفتوحة على مصراعيها، إمّا لمحاولة المعالجة وإمّا للمزيد من التعقيدات، وقد صارت أسماء الملفّات محفوظة عن ظهر قلب، ولا مجال للخطأ أو للالتباس فيها: الكهرباء، الفيول، الغاز، الدواء، المستلزمات الطبيّة، المدارس والأقساط، والكِباش المستمرّ بين المحقّق العدلي وطلبات كفّ يده، مع أنّه ربح جولة جديدة مجدّداً. أمّا في المقلب الآخر من الصورة، فحكومة «معاً للإنقاذ» صارت بحاجة إلى من ينقذها: دولارها يتوجّه صعوداً، تحرسه العتمة الشاملة، البطاقة التمويليّة التي كانت بالأمس ضرورة ما عادت أولويّة، البلد الغارق في شبْر محروقات، أصبح عائماً على ثروة من غاز نائم في البحر ومفقود من المنازل. وذلك، من دون إهمال انتفاضة الشعب ضدّها، على أبواب 17 أكتوبر. وما بين المشهديْن، ارتفع منسوب مطالبة حكومة «معاً للإنقاذ» بأن تحزم أمرها، وتُخرِج اللبنانيّين من محطّة الانتظار المحبوسين فيها، وتحدّد موعداً جدّياً للبدْء في خطواتها الإنقاذيّة.

Email