لبنان يشهد حراكاً دبلوماسياً نشطاً على وقع أزماته

ت + ت - الحجم الطبيعي

في خضمّ محاولات تأمين الاستقرار بين دول المنطقة، سياسيّاً وعسكريّاً، وفيما صورة العالم ترتسم مجدّداً، يقف لبنان على مفترق أحداث ومحادثات متتالية، لا تقلّ أهميّة الواحدة عن الأخرى. ففي وقت يواصل بيار دوكان، المبعوث الفرنسي الخاص، محادثاته بعيداً عن الإعلام في بيروت، يُرتقب أيضاً وصول وفد أمريكي يترأّسه آموس هوشستين كبير مستشاري البيت الأبيض لأمن الطاقة، في مهمّة وسيط أمريكي على خطّ الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل. وبعد تكليفه إدارة ملفّ ترسيم الحدود، خلفاً لجون ‏دوروشيه، فإنّ المسؤول الأمريكي الجديد، الذي سبق وأدار الملفّ، وساهم ‏في التوصّل عبر جولات الموفدين الأمريكيّين المتعاقبين، مع رئيس مجلس النواب، نبيه بري، إلى اتفاق ‏إطار، انطلقت على أساسه المفاوضات غير المباشرة بين لبنان وإسرائيل، سيصل إلى لبنان في النصف الثاني ‏من الشهر الجاري، لإعادة الزخْم إلى هذه المفاوضات، ترافقه فيكتوريا نولاند وكيلة وزارة الخارجيّة للشؤون السياسيّة.

شيء تغيّر

أمّا الصورة المحليّة، فلن تتبلور قبل البدْء رسمياً بتنفيذ إصلاحات على المدى القصير، تليها أخرى على المدييْن المتوسط والطويل الأمد، تثبت للعالم أنّ شيئاً حقيقيّاً تغيّر على مستوى السياسة اللبنانية، التي أصبحت تواجه حقيقة جديدة صعبة، عنوانها: تطبيق الإصلاحات، وليس الحديث عنها، تمهيداً للاستدانة، ولبدْء النهوض الاقتصادي، فيما يتربّع ملفّ الكهرباء، قائمة الأولويّات من دون منازع. 

وفي الانتظار، لا يزال الزحف الدولي في اتجاه لبنان جارياً بوتيرة سريعة، ما يوحي، بحسب القراءات المتعدّدة، وكأنّ الدول الخارجيّة ترسل موفدين كشهود عيان ومراقبين عن قرْب، لاستعدادات الحكومة وجدّيتها في الإيفاء بالتزاماتها ووعودها الإصلاحيّة التي قطعتها للداخل والخارج. وذلك، في مقابل زحمة ملفات ساخنة، داخلياً، تزحف بدورها دفعة واحدة، نحو حلبة الاشتباك السياسي.

خطوات متدرّجة

بالتوازي مع وضع ملفّ التفاوض اللبناني مع صندوق النقد الدولي على سكّة التواصل المباشر، على أن يزور وفد من الصندوق بيروت في النصف الثاني من الشهر الجاري، لتحديد أسس عمليّة المفاوضات، ورسْم معالم خطّة التعافي المنشودة، وبرامجها الملائمة للحالة اللبنانيّة، انطلقت على سكّة أخرى، عجلة التفاوض العملي حول سبل استجرار الغاز المصري، والكهرباء الأردنيّة إلى لبنان، وسط بروز عقبات سوريّة، من شأنها أن تعيق تسريع وتيرة العمليّة، وذلك ريثما تنتهي السلطات السوريّة من تجهيز البنى التحتيّة اللازمة لشبكة خطوط الربط والنقل على أراضيها، وهو ما سيستغرق أقلّه 3 أشهر، بحسب التقديرات.

وفي السياق، لا تزال أزمة الكهرباء الأكثر حضوراً، مع توقّعات بأيام معتمة، بمجرد انتهاء كميّات الفيول العراقي المستبدَل، وبانتظار أن تُترجم مفاعيل الاجتماعات التي تواصلت في عمّان، بين لبنان والأردن وسوريا، لجرّ الغاز المصري والكهرباء الأردنيّة عبر سوريا، إلى الأراضي اللبنانيّة، في حين بدا واضحاً، من سياق تصريحات متقاطعة على خطّ دمشق- بيروت، أنّ هناك دفعاً متعمّداً لاستثمار حاجة لبنان الكهربائيّة، و«تقريشها» في حساب إعادة تطبيع العلاقات الحكوميّة والرسميّة بين البلديْن.

وعليه، فإنّ ثمّة إجماعاً داخليّاً، على أنّ زحمة الزوّار والموفدين الدوليّين، تكتسب أهمية بالغة في هذا التوقيت، وتشكّل مرآة عاكِسة للدعم الخارجي للزمن الحكومي الجديد، بما يؤشّر إلى أنّ لبنان استعاد موقعه ضمن خارطة الاهتمامات والأولويّات الدوليّة، وإلى أنّ الأيام المقبلة، ستشهد بالتأكيد تدرّجاً في الخطوات الحكوميّة النوعيّة، سواء في ملفّ الكهرباء الموضوع على نار أكثر من حامية، أو ما يتصل بسلّة تعيينات، ينصبّ جهد الحكومة على أن تخرج ملبّية لشروط ومعايير النزاهة والكفاءة، يُضاف إلى ذلك، الهدف الأساس الذي بات محسوماً بشكل نهائي، ولا جدال فيه، والمتمثل في إجراء الانتخابات النيابيّة في ربيع العام المقبل.

Email