«فاجعة بيروت».. أولى الخطوات في مسار انتصار العدالة

ت + ت - الحجم الطبيعي

في 27 سبتمبر الماضي، أوقف المحقّق العدلي القاضي طارق البيطار التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، إثر تبلّغه طلب الردّ المقدّم ضدّه من الوزير السابق والنائب الحالي نهاد المشنوق أمام محكمة الاستئناف في بيروت، ما أدّى إلى تجميد التحقيقات إلى حين البتّ بطلب الردّ، ووضْع الملفّ في مهبّ احتماليْن: إمّا استمرار البيطار في مهمّته، وإمّا كفّ يده وتعيين محقّق بديل عنه، يتولّى رفع راية القضاء البيضاء أمام «منظومة النيترات». ويومها، قيل إنّ السلطة السياسيّة حقّقت «نصراً» على العدالة، مع ما عناه الأمر من انتصار الباطل على القانون.

ويوم أمس، وتزامناً مع إحياء الشهر الـ 14 على الانفجار، انحسر الإحباط الذي كاد يضرب التحقيق في هذه القضيّة كليّاً، بعد سقوط كفّ يد القاضي البيطار، إذْ أصدرت محكمة الاستئناف المدنيّة قراراً قضى بردّ طلبات الردّ المقدّمة من النواب نهاد المشنوق وعلي حسن خليل وغازي زعيتر، والمتعلّقة بكفّ يد المحقّق العدلي عن التحقيقات في ملفّ انفجار مرفأ بيروت شكلاً، لعدم الاختصاص النوعي، وبات الأمر في عهدة محكمة التمييز. وذلك، في تطوّر أحيا الأمل في أنّ تحقيقات المرفأ لا بدّ أن تصل إلى فكّ اللغز، وإنْ من دون أن يعني ذلك أنّ الخطر على العدالة في هذه القضيّة الوطنيّة قد زال. وهكذا، ارتفعت يد أهالي الضحايا تصفيقاً لما وصفوه بـ«القرار المنصِف»، ورفضاً لأيّ محاولة تسييس وفرْض أجندات، مرفقةً بتأكيدهم على عدم اتّهام إلا من يُتّهم قضائيّاً. أمّا القاضي البيطار، فعاد إلى عمله محرّراً من كلّ ارتياب غير مشروع، ومن كلّ ردّ مردود إلى أصحابه، فيما عاد ملفّ التحقيق في ‏انفجار مرفأ بيروت ليتقدّم إلى صدارة المشهد الداخلي، كنقطة ‏تجاذب سياسيّة- قضائيّة مفتوحة على شتّى الاحتمالات.‏

وما بين المشهديْن، ارتفع منسوب الكلام عن أنّ ما كان يُراد منه «كفّ يد» صار «كفّاً صفع الخدّ السياسي»، بفرعيه النيابي والوزاري. وبالحكم الصادر، عاد القاضي البيطار إلى مزاولة المهنة، بعدما كسب «الجولة الأولى» في معركته المفتوحة ضدّ الحصانات ‏التي تطوّق سير العدالة، وبعدما وفّرت محكمة الاستئناف مهلة الأيام الفاصلة عن بدْء الدورة العادية لمجلس النواب. وبالتالي، وحتى تاريخ الثلاثاء الذي يلي 15 من الجاري، فإنّ لقاضي التحقيق العدلي صلاحيات تتحرّر من قبضة الحصانة النيابيّة، لتضرب عمق مجلس النوّاب. وعليه، تردّدت معلومات مفادها، أنّ البيطار سيحدّد جلسات استجواب بتواريخ جديدة للنوّاب ورئيس الحكومة السابق حسّان دياب، بعدما تزامنت تواريخ جلسات الاستجواب السابقة وفترة توقّف قاضي التحقيق عن العمل، نظراً إلى طلب كفّ اليد. ومع استئناف عمل البيطار بدءاً من اليوم الثلاثاء، تردّدت معلومات مفادها أنّه سيواجه مجدّداً عنابر يمتدّ زمنها إلى السفينة «روسوس» التي رست في بيروت، وكذلك إلى سفن أخرى، إحداها أيضاً عام 2014، وقد رست في مرفأ طرابلس، قبل أن تختفي حمولتها البالغة 1006 أطنان من نيترات الأمونيوم، كان يُراد إعادة تصديرها، وأُدخلت إلى لبنان على دفعات.

وفي الانتظار، وبين حدّي سيطرة السياسة على القضاء، أو أن يكون لبنان بخير لأنّ قضاءه بخير، ضجّت بعض القراءات السياسيّة والقضائيّة بالإشارة إلى أنّ يوم أمس دخل السجلّ الذهبي للعدالة في لبنان. فعلى رغم الأجواء الضاغطة والمشحونة، وعلى رغم التهويل، حكمت محكمة الاستئناف بردّ طلب ردّ القاضي البيطار عن دعوى المرفأ، مع ما يعنيه الأمر من عودة بعض الحقّ إلى أصحابه، بعد سنة وشهرين تماماً على جريمة تفجير المرفأ، إذْ أثبت القضاء اللبناني أنّه يمكن التعويل عليه، وأنّه يعرف كيف يكون أقوى من السياسة، إذْ لا حصانة لأحد أمام الدم الذي أريق، والموت الذي تمدّد، والخراب الذي تحقّق.

 

Email