لبنان.. انتهاء مرحلة الوعود والاتجاه نحو الانفراج الموعود

ت + ت - الحجم الطبيعي

دشّن مجلس الوزراء اللبناني الجديد أعماله، اليوم الأربعاء، بجدول أعمال «ترقيعي»، كما وُصِف، في ضوء المصادقة على مئات القرارات الاستثنائية لحكومة تصريف الأعمال، هذا في الشكل، أمّا في المضمون، فإن الحكومة تموضعت تلقائياً تحت مجهر اللبنانيين والمجتمع الدولي في آن معاً، فمرحلة الوعود انتهت، لتبدأ مرحلة العمل في اتجاه الانفراج الموعود، وخصوصاً أن البيان الوزاري للحكومة يبدو، نظرياً، أنه بحجم الأزمة ويرسم خريطة الخروج منها. 

وهكذا، دخلت الحكومة، اعتباراً من يوم أمس، في مرحلة الاختبار الجدي لسلوكها وممارستها، فيما الرصيد الذي يمكن أن تنتزعه يتوقف على الأسابيع الأولى من عملها. فإذا تمت الاستعاضة عن المواقف والوعود بالخطوات العملية، فهذا يعني أن إمكانية الخروج من الأزمة أصبحت متاحة، وفي حال تلهت بالشكليات، فهذا يعني أن الأزمة إلى مزيد من التردي.

تزامناً، وبين حدَّي سيطرة السياسة على القضاء، أو أن يكون لبنان بخير لأن قضاءه بخير، رفع أهالي ضحايا المرفأ الصوت أمام قصر العدل في بيروت، رفضاً للإمعان في سياسة تطويق القضاء والاستمرار في «قبْع» المحققين العدليين، في سياق منْع إظهار الحقيقة وتحديد المسؤوليات الجرمية في القضية، وسط تأكيد أوساطهم لـ«البيان» أنهم لن يهابوا ولن يتراجعوا، فـ«هم خسروا أبناءهم، ولن يقبلوا دفنهم مرتين»، متوعدين بخطوات تصعيدية في إطار مواجهة اختارتها السلطة مفتوحة وعلنية ضدهم، مع لحظة المجاهرة بتهديد المحقق العدلي القاضي طارق البيطار لثنيه عن متابعة مسار التحقيق.

وهذه الصرخة لم تأتِ من العدم، بل اقتضاها فعل كوْن المحقق العدلي القاضي طارق البيطار أوقف التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، يوم الاثنين الفائت، إثر تبلغه طلب الرد المقدم ضده من الوزير السابق والنائب الحالي نهاد المشنوق أمام محكمة الاستئناف في بيروت. وبالتالي، جُمدت التحقيقات إلى حين البت بطلب الرد، والقرار يحتاج إلى شهر. وبالتالي، بات ملف التحقيق في هذا الملف في مهب احتمالين: إما استمرار البيطار في مهمته، وإما كف يده وتعيين محقق بديل منه، يتولى رفع راية القضاء البيضاء أمام «منظومة النيترات»، علماً أن تحقيقات البيطار كانت جارية على نار حامية، وقطع خلالها مسافة واسعة باتت تمكنه من إصدار القرار الاتهامي قبل نهاية هذه السنة، ويبدي فيه ما توصلت إليه تحقيقاته على صعيد ما توفر لديه من معطيات على صعيد التفجير وأسباب اندلاع الحريق وإحالة المتهمين على المجلس العدلي. 

تحت شعار «إلى العمل درْ»، شهد اليوم الأربعاء الانطلاقة العملية من منصة أول جلسة لمجلس الوزراء بعد نيْل الحكومة الثقة البرلمانية الأسبوع الماضي. وذلك، وسط مطالب داخلية بإنجازات تجذب ثقة اللبنانيين بدولتهم، وأبعاد خارجية تربط بين الإصلاحات والمساعدات، وإذا كانت الحكومة قد ألزمت نفسها بتحقيق إنجازات ملموسة خلال عمرها القصير، فإن مصادر وزارية أكدت لــ«البيان» أن الحكومة تتفهم استعجال اللبنانيين لرؤية إنجازات سريعة، تخفف الضائقة المريرة التي تضغط عليهم، ولديها النية الصادقة في أن تعمل وتحقق خطوات نوعية ضمن الفترة القصيرة لولايتها، خصوصاً أن إرادة العمل والإنجاز هما المرتكز الأساسي لها، إنما الشرط الأساس هو ألا تجد نفسها مقيدة بمزاجيات سياسية ومداخلات تُفرمِل اندفاعتها، وتعطلها وتجعلها غير قادرة على الاستمرار.

وفي الانتظار، تتزاحم الملفات الداخلية لتتسابق على الأولوية، فيما بدا أن مهمة الحكومة صعبة جداً، وطريقها مفروش بمطبات شائكة حول مختلف العناوين، وإنْ ألزمت نفسها بتحقيق إنجازات ملموسة خلال عمرها القصير الذي يمتد على أشهر قليلة، وعليه، فإن ثمة إجماعاً داخلياً على ضرورة النأي بها عن المداخلات السياسية التعطيلية، لكوْن لبنان يقف اليوم في نقطة الوسط بين أن يستعيد نفسه كدولة تلبي طموحات شعبها وتستعيد ثقة المجتمع الدولي بها، وهذا بالتأكيد رهن بالمقاربة الإصلاحية المنتظرة من الحكومة، وبين أن يبقى مقيداً في دائرة الأسباب ذاتها التي قادته إلى أزمته الصعبة.

Email