بدمعة وصلاة جمعة، أدّت الحكومة اللبنانية برئاسة نجيب ميقاتي مناسك تأليفها وصدرت مراسيم تشكيلها، ومن ثم أعدّت بيانها الوزاري ونالت الثقة البرلمانيّة على أساسه.. ومنذ طلوع فجرها، في 10 من الجاري، قال عنها رئيسها إنّها «ليست كاملة، لأنّ الكمال للّه»، فيما لا يزال لسان حال اللبنانيّين يقول إنّها حكومة من دون «عصا سحريّة»، ولكنّها ستكون جهة رسميّة واضحة، وستتحمّل المسؤولية عن بلد متروك للفراغ منذ أشهر.

ولا تزال بعض «المناورات» و«النهفات» الوزاريّة التي شهدتها مراسيم التسليم والتسلّم حاضرة في أذهان اللبنانيّين، لم تُطوَ قط بعد، ولم تُنسِهم ما شهدته بعض المناطق من مهرجانات ناريّة حارقة، احتفاءً بتوزير بعض من سمح لنفسه بأن يكون راعياً لممارسات أبعد ما تكون عن ممارسات رجال الدولة، ولم تضع حدّاً لـ«التنقيب» المتواصل في السير الذاتيّة، العلنيّة وغير العلنيّة، للوزراء الجدد، ومنهم وزير الشؤون الاجتماعيّة هيكتور حجّار الذي، وفي ضوء «اكتشافاته» الصينيّة والأوروبيّة، لم يتردّد في أن يخصّ اللّبنانيّين بطلب استثنائي، شكلاً ومضموناً: التخلّي عن الحفاظات، ويدعوهم إلى محاربة استعمال مناديل «كلينكس»، كما استعمال مياه الحنفيّة، الملوّثة وغير الصالحة للشرب في بعض المناطق اللبنانيّة، ولا سيّما في العاصمة بيروت، بدلاً من المياه المعبّأة.. أمّا آخر «نتعات» الوزير حجّار، فتمثلت بدعوته اللبنانيّين لأن يمتنعوا عن شرب اللبن، لـ«يصبحوا أصلب في مواجهة المصاعب!».

ظاهرة فولكلوريّة

ومن بوّابة «التسليم والتسلّم»، اليوم الفولكلوري بامتياز، والذي يشكّل عادة لبنانيّة سيئة، غالباً ما تُدخل الوزراء الجدد أسرى الظهور و«الكلاكيت أوّل مرة»، فيما تضع الوزراء المغادرين في موقف يعرّضهم لمشهد التأبين، كأنّهم قد وافتهم المنية، وحيث السلف يروي ماذا فعل والخلف يروي ماذا سيفعل، تسنّى للّبنانيّين أن يشاهدوا فصولاً من مناورات ونهفات وزاريّة، لم تختبرها السياسة اللبنانيّة يوماً.

وفي بعض التفاصيل المرتبطة بهذه الظاهرة الفولكلوريّة، فإنّ بعض وزراء الحكومة الجديدة، الذين اقتحمت صورتهم التذكاريّة ذاكرة اللبنانيّين، ومن خلال قيامهم بضخّ جرعات التفاؤل، عمدوا، من غير سياق حيناً، وبروح «النكتة» أحياناً، إلى صوغ خطط أعمال وزاراتهم انطلاقاً من اعتمادهم على نصوص الأطفال في كتب القراءة المدرسيّة حيناً، وعلى حكايات الحيوانات المستوحاة من كتاب «كليلة ودمْنة» حيناً آخر. وعلى سبيل المثال، روى وزير الاقتصاد أمين سلام، ومن دون مناسبة، قصّة ضفدعيْن يتخبّطان في بئر، رغبةً في الخروج منها، استطاع أحدهما الخروج من علقته، كما قال، ليتبيّن أنّ من استطاع النفاذ كان «أطرش»، إذْ لم يسمع الخبيط في البئر، ولذلك نجا. أمّا وزير العمل مصطفى بيرم، فروى قصّة عصفور حاول إطفاء حريق الغابة التي يحبّ، بخطوات «على قدّه».

ومن هنا، كان توصيف البعض للحكومة الجديدة بأنّها «حكومة كليلة ودمنة»، فيما ذهب البعض الآخر إلى السؤال عما إذا كان «لافونتين حاضراً في الحكومة»، في إشارة إلى الكاتب الفرنسي الذي كتب قصّة «النملة والصرصور».