ضمت 24 وزيراً لم يخض معظمهم غمار السياسة من قبل

انفراج أزمة التشكيل الحكومي في لبنان.. وميقاتي أمام المهمة الصعبة

ت + ت - الحجم الطبيعي

أخيراً، اجتازت الحكومة اللبنانية، الـ«77» بعد الاستقلال، المطب العالي الذي عرقل مسار تأليفها، منذ تكليف رئيسها الحالي نجيب ميقاتي بالمهمة في 26 يوليو الماضي.

وبعد مرحلة طويلة، ضجت بالكثير من التفاؤل والتشاؤم في آن واحد، ومن تدوير الزوايا والهواجس والانتظار، أبصرت الحكومة الرابعة، في العام الخامس من عهد الرئيس ميشال عون، النور. 

وقال عنها عون إنها ليست حكومة العهد الأولى، إلى أن جاءت الحكومة الثانية، برئاسة الحريري أيضاً، لكنها استقالت بفعل «انتفاضة 17 أكتوبر» (2019)، فيما عانت الحكومة الثالثة برئاسة حسان دياب من رفض الشارع والعزلة.

وعلى شفير الانهيار التام، ووفق توقيت خارجي، عاد المشهد السياسي خطوات نحو الأمان، فأنبت التوافق حكومة أصيلة، برئاسة ميقاتي، الذي طوى صفحة التكليف، واعتلى سدة الرئاسة الثالثة في لبنان مجدداً، وللمرة الثالثة (الأولى 2005، والثانية 2011)، متسلماً الراية بالأصالة عن نفسه وبالوكالة عن عموم نادي رؤساء الحكومات السابقين.

ومتحدياً «دفتر شروط» العهد وتياره، من خلال صياغة مطالبه بدقة. وذلك، بعد رحلة شاقة على درب صوغ حكومة إنقاذ وطني تجاوزت، بتركيبتها، الاصطفافات السابقة، لتلامس التحديات المصيرية التي تواجه اللبنانيين.

وفي محصلة مشهد الأمس، بات للبنان حكومة، يفترض أنها حكومة إصلاحات بنيوية جوهرية، على نحو ما نصح به صندوق النقد الدولي مراراً.

وحضت عليه المبادرة الفرنسية، فيما هي تواجه استحقاقات ثلاثة على الأقل، متدرجة الأهمية، بدءاً من كونها آخر حكومات عهد رئيس الجمهورية الحالي، ما يجعله في حاجة إلى التأثير في دورها ومهماتها، كي تتمكن من تحقيق حد أدنى من الإنجازات، مروراً بكونها حكومة الانتخابات النيابية المفترض إجراؤها في مايو من العام المقبل، تبعاً لمهلها الدستورية، ووصولاً إلى ترجيح استمرارها إلى ما بعد نهاية ولاية الرئيس عون (31 أكتوبر 2022)، في حال تضافر تعطيل الانتخابات النيابية مع تعطيل الانتخابات الرئاسية.

محطة استثنائية

وهكذا، انتهت «ملهاة» الملف الحكومي، وتوقفت عن تواليها فصولاً، وشهد لبنان، أمس، محطة استثنائية، اتسمت بمفارقتين: الأولى أن ميقاتي بدأ رحلة «الألف ميل» بخطوة أولى، معلوم كيف بدأت من قصر بعبدا، وكيف انتهت به في السراي الكبير.

وذلك، بعد تكليف كان الثالث في أقل من عام، بعد استقالة حكومة ‏دياب في 10 أغسطس 2020، إذ كلف تباعاً كل من مصطفى أديب واعتذر بعد أسبوعين، ثم كلف الحريري واعتذر بعد نحو تسعة أشهر، فيما هو خاض التجربة، واخترق «قدر التعطيل» الذي نصبه العهد وتياره ‏في مواجهة الحريري.

أما المفارقة الثانية، فتمثلت بدخول ميقاتي ‏تجربة حكومية ثالثة له، تختلف ظروفه السياسية فيها اختلافاً جذرياً عن السابقتين ‏اللتين خاضهما في عامي 2005 و2011، إذ شكل ترشيحه، عملياً وسياسياً من مقر إقامة الحريري في «بيت الوسط»، ومن حاضنة نادي رؤساء الحكومات السابقين، دلالات معبرة وقوية على الدعم.

وهكذا أيضاً، ووفق القراءات الأولية، فعلت الضغوط الخارجية، ولا سيما الفرنسية منها، فعلها، ما دفع عون إلى إعادة النظر في موقفه من «الثلث المعطل» تحديداً، وذلك في ضوء الانهيارات التي دفعت به إلى تدوير الزوايا والموافقة على الصيغة النهائية التي أفضت إليها المفاوضات الحكومية، والتي تم بموجبها وضع «اللمسات النهائية» على صيغة ولادة الحكومة في اللقاء الـ14 بينه وبين ميقاتي أمس.

حيث بات لبنان في ظل حكومة مكتملة الأوصاف. وهنا، تجدر الإشارة إلى أن الساعات التي سبقت إعلان ولادة الحكومة كانت ضجت بالمخاوف من احتمال اعتكاف أو اعتذار ميقاتي، ما كان سيفجر صراعاً حاداً بين العهد والمكون الطائفي لرئاسة الحكومة.

في ظل اتساع الاتجاهات والدعوات إلى مواجهة إمعان العهد في إسقاط الرؤساء المكلفين بقرار جماعي بالامتناع عن ترشيح رئيس حكومة جديد تعاد معه دوامة التعطيل. وتلا أمين عام مجلس الوزراء محمود مكية مرسوم تشكيل الحكومة التي ضمت 24 وزيراً لم يخض معظمهم غمار السياسة من قبل، لكن عدداً منهم معروفون بنجاحاتهم في مجالات اقتصادية وطبية وثقافية وإعلامية.

وبعد تلاوة مراسيم قبول استقالة حكومة دياب وتعيين ميقاتي رئيساً لمجلس الوزراء وتأليف الحكومة الجديدة، كان لميقاتي كلمة من وحي المناسبة، قال فيها: «أعد اللبنانيين أنني سأتصل بكل الهيئات الدولية لتأمين أبسط أمور الحياة»، معرباً عن أمله في أن ينهض بهذه الحكومة، وأن يوقف الانهيار الحاصل، بما يعيد لبنان إلى عزه وازدهاره.

وأضاف: «الوضع صعب جداً لكنه ليس مستحيلاً إذا تضامنا جميعاً كلبنانيين.. يجب أن نضع يدينا بيد بعض». وخنقت العبرة ميقاتي الذي أدمعت عيناه، واصفاً حال الشعب اللبناني اليوم، وما يواجهه من صعوبات في أمور الحياة الأساسية.

وقال متأثراً: «الأمهات قللن جرعات الحليب لأطفالهن لأن الحليب غير متوفر في لبنان، والأم اللبنانية تودع ابنها المهاجر بدمعة، وليس لديها ما يكفي لشراء حبة بنادول». وأكد ميقاتي أن الحكومة اللبنانية «ستعمل بمبدأ وطني، متقيدين بالدستور اللبناني، آملين أن نعود لنوقف الانهيار الحالي».

Email