لبنان.. «الثلث المعطّل» يفخّخ التأليف الحكومي

ت + ت - الحجم الطبيعي

فيما كان اللبنانيّون يترقّبون آخر الأمتار الحكوميّة، وينتظرون خروج «الدخان الأبيض» من دواخين القصر الجمهوري، إلا أنّ المفاجأة كانت بدخان البيانات الصادرة من إعلام القصر.

ومن إعلام رئيس الوزراء المكلّف نجيب ميقاتي، والذي خلّف غباراً سياسيّاً كثيفاً، وضع الجميع في حالة انتظار جلاء الصورة لمعرفة مصير الحكومة أو حجم «إصاباتها». وذلك، في ضوء احتماليْن، لا ثالث لهما: عودة دوّامة المشاورات مجدّداً، أو اعتذار الرئيس ميقاتي عن متابعة المهمّة الملقاة على عاتقه.

وإذْ لا أحد يمكنه أن يؤكد، ولا أن ينفي، المناخات التفاؤليّة بولادة الحكومة من عدمها، كما أن لا أحد يمكنه تقدير ما إذا كانت هذه الأجواء مفتعلة أم حقيقيّة، وما إذا كانت موضوعيّة أم مضخمّة.

ولكنّ الثابت والأكيد أنّ الساعات والأيام المقبلة ستثبت صحّة هذه المناخات أو عكسها، فإذا خرج «الدخان الأبيض» من اللقاء الـ«14» الذي يمكن انعقاده في أيّ وقت بين عون وميقاتي وصدرت مراسيم التأليف، تكون المساعي قد نجحت فعلاً في حلحلة العقد، وإلا يكون الهدف من هذا التفاؤل المفرط هو التنصّل من مسؤوليّة التعطيل والشروط المرتفعة السقوف.

فصْل بين بيانيْن

«الدخان الأبيض الحكومي مؤجل، لكنّ المساعي مستمرّة». إنّها خلاصة تطوّرات الساعات الأخيرة على درب التشكيل الطويل، المحفوف بمخاطر التعطيل، والذي يزرعه البعض يومياً بـ«الألغام»، التي لا يلبث أن يُفكّك أحدها حتى يبرز غيره على الطريق. وليس أدلّ على هذا الواقع سوى «حرْب البيانات» التي اندلعت على خطّ الرئاسة الأولى- رئاسة الحكومة بالتكليف:

بيان الأولى دعا إلى «التوقّف عن اعتماد لعبة التذاكي السياسي والخبث الموازي للدهاء»، فيما انطوى بيان الرئيس المكلّف على إبعاد تهمة التعطيل عنه وإلصاقها بالآخرين.

وذلك، في إطار لغة تخاطب لا تشي بأنّ التشكيل قريب. فالرئيس المكلّف وضع مسؤوليّة التعطيل على قصر بعبدا، من دون أن يحدّد في أيّ مكتب. أمّا رئاسة الجمهوريّة، فاتّهمت الرئيس المكلّف، من دون أن تسمّيه، بـ«التذاكي السياسي، والخبث الموازي للدهاء».

وبناءً عليه، ارتفع منسوب الكلام عن أنّ هذه اللغة هي لغة تباعد لا لغة تقارب، ما ذكّر الجميع باللغة التي كانت سائدة في مرحلة تكليف سعد الحريري، حيث وصلت لغة التخاطب إلى مرحلة استحال معها أن يجلس الرئيس عون والحريري على طاولة واحدة. فهل يكون هناك اعتذار ثالث، ثم تكليف رابع؟

حلقة مفرغة

والواقع أنّ مصادر مواكبة عن كثب لعملية التأليف أكدت لـ«البيان» بأنّ الاتجاه الحكومي ينحو إلى مزيد من السلبيّة والمراوحة والدوران في حلقة مفرغة.

ذلك أنّ العقد القائمة، وفق المصادر نفسها، تتمحور حول «الثلث المعطّل»، المحور الذي يبدو أنّه لا يزال مطلوباً، وإنْ بشكلٍ مقنّع، لتمثيل حصّة فريق العهد، مع التوجّه نحو إعادة التجربة نفسها التي سبق أن خاضها فريق عون مع الحريري، واعتبار مسؤوليّة التعطيل مشتركة مع رئيس الحكومة المكلّف.

ومن هنا، ليس واقعيّاً أنّ الحكومة اقتربت من الأميال أو الأمتار الأخيرة للإعلان عن تصاعد «الدّخان الأبيض»، في وقت لا يزال البحث مرتبطاً بالإطار العموميّ لاختيار الوزراء.

«الثلث المعطّل»

وفي انتظار ما سيرسو عليه مشهد التأليف، وفيما كلّ الاحتمالات واردة، فإنّ «لعبة التذاكي»، الواردة أعلاه، تبدو كأنّها توصيف يخصّ قصر بعبدا نفسه، إذْ أنّ عون لم يتخلَّ مرّة عن مطلب «الثلث»، وإنْ نفاه ألف مرّة.

وبهذا المعنى، لا يزال «الثلث المعطّل»، الرقم الجامد «الأخرس»، يحمل مسؤوليّة تعطيل تشكيل الحكومات و«قرقشة» الرؤساء المكلّفين الواحد تلو الآخر ثلاثة في سنة، و«الحبْل على الجرّار» على ما يبدو، إذا تجرّأ سنّي جديد على تولّي المهمّة بعد ميقاتي، إنْ وصل به الأمر حدّ الاعتذار.

و«الثلث المعطّل»، الذي حمل اسم «الثلث الضامن» في زمن قضْم المؤسّسات، هو ببساطة قناع لسلطة شرعيّة ومعنويّة وقانونيّة لها اسم، وله وظائف متعدّدة في زمن العهد الحالي، بدءاً من نسْف التشكيلات الحكوميّة التي لا تعجب الرئيس اللبناني وفريقه.

مروراً بالقدرة على الإمساك بقرارات الحكومة، إنْ شُكِّلت، والسيطرة والتحكّم بإدارة البلاد بعد سقوط مؤسّسات الدولة وتعطيل استحقاقاتها وما ينتج عن ذلك من فراغ، ووصولاً إلى تعويد آذان الناس على فكرة المثالثة التي تراود الفريق الرئاسي وتناسب حلفاءه، وترفع منسوب تعلّقهم به على رأس السلطة.

وعليه، يسهل الاستنتاج بأنّ كلّ الوساطات وصلت إلى حائط مسدود، كما يسهل التأكّد بأنّ كلّ الاقتراحات والهندسات التي استُخدمت لتسهيل التشكيل سقطت هي الأخرى، ومعها ظهر للرأي العام، المحلّي والدولي، زيْف التشكيلات الورديّة التي رُميت في التداول وتحدّثت عن قرْب ولادة الحكومة، والتي تبيّن أنّ الغاية منها التعمية والتضليل.

Email