قرطاج أرض الحضارات وأيقونة المتوسط

ت + ت - الحجم الطبيعي

تقف قرطاج على شبه جزيرة مثلثية بين البحر وبحيرة تونس، لتمثّل رمزاً لتاريخ طويل، طالما كان فيها اسمها عنواناً لإحدى أعرق الحضارات وأكبر الإمبراطوريات، حيث كان نفوذها يشمل المنطقة الرابطة حالياً بين طرابلس الغرب والمحيط الأطلسي، وصولاً إلى إسبانيا، والساحل الأفريقي، وكانت قوة عظمى في التاريخ القديم، لا تنافسها إلا روما، عدوتها اللدود.

وهناك بين الغابات الخضراء والأمواج الزرقاء والمنازل المطلية باللون الأبيض، والآثار التي تروي تاريخاً يمتد لثلاثة آلاف عام، يجد الزائر نفسه في حوار مع الماضي، بكل أسراره وألغازه وتجلياته، فيسير على أرض مشى فوقها الأبطال التاريخيون للبلاد، والقادة الفاتحون، والشعراء الملهمون، والفنانون العاشقون.

واسم قرطاج أو قرطاجة، هو تحريف للاسم العربي «القرية الحديثة»، وكان ينطق في بعض المراجع بـ «قرت حدشت»، وسميت بذلك من قبل الفينيقيين الكنعانيين القادمين من الساحل السوري، بقيادة أميرة صور عليسة، وتنطق أليسار كذلك، والذين أسسوها في عام 814 ق م، كمستعمرة جديدة لهم في المنطقة، حيث سبق لأجدادهم أن أسسوا قبلها في عام 1101 ق م، أول مدينة على الضفة الجنوبية للمتوسط، بعد مدينة قادش بإسبانيا، وأطلقوا عليها لاحقاً «أوتيقا»، وهو تحريف لكلمة «العتيقة»، في مواجهة «الحديثة»، وآثارها لا تزال موجودة بحوال 30 كلم شمالي تونس.

عطر الشرق

في قرطاج، أنت أمام عطر الشرق، وجسور من التواصل الحضاري مع الضفة الشرقية للمتوسط، إذ تروي الأساطير أن عليسة فرت من صور بعد وفاة والدها، وسعي شقيقها بيجماليون إلى افتكاك الحكم منها، حيث قام بقتل بزوجها الكهل الثري، عاشر باص، وكان يخطط لقتلها، ما دفعها إلى الفرار من عدد من أنصارها، يقول الباحث بوبكر بن فرج، إن الأميرة الهاربة حطت رحالها لمهلة بجزيرة قبرص، قبل مواصلة رحلتها البحريّة نحو سواحل الشمال الأفريقي، مصطحبة معها ثمانين فتاة عذراء من بنات الجزيرة. ولمّا بلغت مقصدها، استقر قرارها على تشييد مدينة جديدة في مكان اختارته لها، وذلك بعد موافقة أهالي المكان اللّوبيّين على تمكينها من الأرض اللّازمة لإنشاء المدينة، مقابل إتاوة معلومة تدفعها لهم. وقد لجأت علّيسة حسب الرّواية، إلى المناورة باستعمال حيلة جلد الثّور، للحصول على ما يكفي من الأرض لبناء مدينتها الجديدة «قرط حدشت».

وما إن استقر لها الأمر، حتّى رغب القائد اللّوبي يرباص، الزواج منها، لكنّها رفضت عرضه، مفضّلة عن ذلك التّضحية بحياتها، بإلقاء نفسها في النّار، وفاء لروح زوجها الأوّل عاشر باص من جهة، ودرءاً للعداوة التي يمكن أن تنشأ بين قرطاج والسكان الأصليّين، بسبب رفضها الزواج من قائدهم.

ولئن انتشر صدى أسطورة تأسيس قرطاج بكيفية واسعة جدّاً منذ العهود القديمة إلى يومنا هذا، فذلك يعود بالدرجة الأولى إلى أنّ عمليّة تأسيس قرطاج وإمبراطوريتها، تمّت بإرادة امرأة، ما يمثّل استثناء في أساطير التأسيس القديمة، التي من النادر جدّاً أن تتّخذ فيها امرأة أدوار مبادرة القيادة.

جمهورية قرطاج

ازدهرت قرطاج، وعرفت تقدماً في كافة المجالات، وتحولت إلى بوتقة لانصهار الانتماءات العرقية والدينية المختلفة، يقول المؤرخ محمد حسين فنطر «إن المجتمع القرطاجي كان حضرياً مدنياً متفتحاً، يتميز بالحركية والتعايش بين مختلف الفئات، مع تفاوت يفصل بينها من حيث القدرات الاقتصادية، والوزن الاجتماعي، والفاعلية السياسية. فهو مجتمع حضري، ومعنى ذلك أنه يعيش في محيط تفرزه المدينة، وهو مجتمع مدني، ومعنى ذلك أنه مؤطر بقوانين، يسهم المواطن في بعثها وتكريسها في الواقع المعيش، فالمؤسسات في قرطاج دستورية، عمادها قانون دستوري، يفرض الانتخاب وتشريك المواطنين في أخذ القرار»، و«في قرطاج، زالت الملكيّة الوراثيّة باكراً، وحلّت محلّها الملكيّة الانتخابيّة. ومع أنّ الملكيّة جمعت في نفسها وظيفة الكهنوت والقضاء والإدارة التّنفيذيّة، فإنّ انفصال القيادة الحربيّة والسّلطة العسكريّة عنها، أضعف مركزها وسيطرتها. ثمّ إنّ الملكيّة نفسها انحطّت في أوائل القرن الرابع ق. م، إلى حالة الانتخاب السّنويّ، بواسطة الكليّة الانتخابيّة. وهكذا نجد الدّولة القرطاجيّة تتّجه رويداً نحو الدّيمقراطيّة السّياسيّة».

عاشت قرطاج عدداً من المراحل السياسية، حيث كانت المرحلة الأولى من عام 814- 550 ق م، عبارة عن امتداد للنظام الملكي الفينيقي في بلاد الشام، حيث تقوم الأسر الغنية باختيار الملك، والإنفاق على الجيش والأسطول، وحملات الاستكشاف، للبحث عن المواد الخام والأسواق الجديدة، والمرحلة الثانية من (550- 480 ق.م) هي فترة أسرة «ماغون»، التي تتابع أفرادها على حكم قرطاج طيلة ثلاثة أجيال، من ماغون حتى ولديه أميلكار الأول، ثم صدر بعل الأول، والمرحلة الثالثة من (480- 290 ق.م)، هي مرحلة الثورة الشاملة، التي شهدت تقويض الحكم الفردي المطلق، وقيام الحرب الأولى بين روما وقرطاج، وانسحاب الأسطول من جبهة البحر المتوسط، وظهور خمس هيئات سياسية جديدة، تولت أمور الدولة بدلاً من أسرة ماقون، وهذه الهيئات هي: الملكان المنتخبان من أسرتين مختلفتين، ومجلس الشيوخ، ويتكون من 300 عضو، وهو من يتولى الشؤون الإدارية العليا، وإقرار الحرب والسلام، وتعيين أو عزل قادة الجيش، ومجلس الحكماء، ويتكون من 104 أعضاء، يتم انتخابهم حسبما يظهرونه من كفاءة، ومجلس الشعب، وهو هيئة منتخبة من المواطنين، تعرض عليها جميع المسائل التي لم يحصل في شأنها الاتفاق بين الملكين من جهة، وبين مجلس الشيوخ من جهة أخرى، وتكون لها الكلمة النهائية. وكانت قرطاج بذلك، من أوائل الدول في العالم القديم، التي عاشت تجربة النظم الشعبية الخالصة، إضافة إلى الجمعيات السياسية والدينية، التي تعتبر أقساماً وشعباً انتخابية.

أقدم وأعرق الدساتير

وكان لقرطاج دستور، يعتبر واحداً من أقدم وأعرق الدساتير المكتوبة في التاريخ، حيث يعود إلى القرن السادس قبل الميلاد، وهو دستور ديمقراطي متميز في العراقة والمضمون، جعل عدداً كبيراً من المؤرخين يقرون بأسبقية دولة قرطاج في فتح أبواب الحرية للشعب، وإرساء الديمقراطية على مدى تاريخ البشرية، حيث عرفت البلاد مؤسـسات سياسية متميزة، تناقلتها مجتمعات مجاورة، على الصعيد المركزي أو البلدي. فكانـت قرطاج، جمهوريـة تتقيـد بضوابط القانون، وأولى الفيلسوف اليوناني أرسطو، اهتماماً خاصاً للنظام السياسي في قرطاج، وبدا له دستور قرطاج قريباً جدّاً من المثال الذي يتصوره في تنظيم الحياة السياسية.

صراع مع روما

ذهبت قرطاج إلى شواطئ المحيط الأطلسي، وأنشأت سلسلة من المحطات التجارية، مثل تلك التي كانت قد أمنتها في سردينيا وصقلية وغرب أفريقيا. أدت المنافسات التجارية والسياسية مع المستعمرات اليونانية إلى حروب عديدة، كانت آخرها في عام 405 ق م، وفي عام 264 قبل الميلاد، بدأت النزاعات مع روما، التي أصبحت الخصم الجديد، وتعرضت قرطاج إلى تراجع نفوذها في كورسيكا وسردينيا، نتيجة الحرب البونيقية الأولى، لكنها عادت للتعافي، وبدءاً من عام 237، أنشأ اميلكار إمبراطورية استعمارية جديدة في إسبانيا، حلت مواردها محل تلك الممتلكات المفقودة، وقد اتفق قبل موته في عام 228 ق م، مع الرومان، على ألا يعبر نهر الإيبرو، لكن القائد الأسطوري حنبعل (هانيبال)، كان يؤمن بأن قرطاج إما أن تحتل روما، وإما مآلها الفشل، وقام بعبور النهر، واجتاز بجيشه جبال الألب في 218 ق م، فانضم إليه سكان محليون، ونجح في إلحاق هزيمة نكراء بجيوش الرومان، وحاصر روما لمدة 15 عاماً، لكن انقلاب ملك نوميديا البربرية، ماسينيسا، من التحالف مع قرطاج، إلى التحالف مع الرومان، غيّر موازين القوى، فبينما كانت قواته تحتل أغلب الأراضي الإيطالية، كانت قوات رومانية بدعم من ماسينيسا، تقتحم قرطاج، ما دفع به إلى العودة، ليخوض معركة زامة في المناطق الحدودية الشمالية حالياً مع الجزائر، بداية من 19 أكتوبر 202 ق م، انتصر فيه الرومان بقيادة سكيبيو الأفريقي، ما جعل مجلس الشيوخ القرطاجي يطلب السلام، لينهي الحرب التي دامت 17 عاماً.

بعد تلك الحرب، أصبح حنبعل حاكماً لقرطاج، وسنّ العديد من الإصلاحات السياسية والمالية، ليتمكن من دفع تعويضات الحرب المفروضة على بلاده لروما، لكن تلك الإصلاحات لم تحظَ برضا الطبقة الأرستقراطية القرطاجية، فوشت به لروما، ففرض عليه النفي، من هناك، انتقل إلى الإمبراطورية السلوقية، حيث قام بدور المستشار العسكري لأنطيوخس الثالث، في حربه ضد روما، وبعد هزيمة أنطيوخس، اضطر إلى قبول شروط روما، ففر حنبعل مرة أخرى إلى مملكة أرمينيا، واستقر في بيثينيا، حيث ساعدهم لتحقيق فوز بحري بارز على أسطول من بيرجامس. بعد ذلك، تعرض للخيانة، وكان من المفترض أن يسلّم إلى الرومان، إلا أنه آثر تناول السم، الذي قيل إنه احتفظ به في خاتم لبسه لوقت طويل، على أن يموت أسيراً في يد الأعداء.

نهاية إمبراطورية

وفي عام 195 ق م، احتل ماسينيسا ملك نوميديا، جزءاً كبيراً مما كان تحت ملك قرطاج في تونس، من عنابة في الجزائر، حتى لبدة الكبرى في ليببا، وتعمد الهجوم على ثغور العاصمة، إلى أن نفذ صبر القرطاجنيين، فأعلنوا عليه الحرب، لتتدخل روما بقوة، مدفوعة بمن كانوا يرغبون في تدمير قرطاج نهائياً، وعلى امتداد ثلاث سنوات، تعرضت قرطاج للحصار والهجمات المتلاحقة، لكنها استطاعت الصمود في وجه الغزاة، فبادرت روما إلى إرسال قائدها سكيبيو، الذي كان حلمه أن يدمر قرطاجة حجراً بعد حجر، وأعطته ما يكفي من الرجال والسفن، لتحقيق هذا الحلم، وفي أكتوبر من عام 146 ق م، افتتح سكيبو هجومه بالتقدم إلى الميناء، حيث كانت قرطاجة، قد أعدت 30 سفينة على عجل، لكسر طوق الحصار، وتزويد المدينة بالمؤن.

وبعد مناوشة بحرية عابرة، حطم سكيبو قوارب قرطاج، وتقدم إلى المرفأ، حيث نصب أدوات الحصار وراء الأسوار، ودفع بقواته الخاصة لقيادة الهجوم تحت حماية وابل من القذائف المشتعلة، وطوال الستة الأيام التالية، استمر القتال حول السور، وفي الشوارع، وعلى السطوح، وتمكن صدر بعل قائد فرق الخيالة، من تنظيم المقاومة بين الجيش والشعب، وشن هجمات كاسحة في اتجاه الميناء، في محاولة مستحيلة للخروج بالأطفال والنساء إلى البحر، وبعد أن أدركه اليأس، وضع سيفه على الأرض وانحنى أمام سكيبو، طالباً لهم الرحمة، فيما تقدمت زوجته ورمت نفسها مع طفليها في النار، وهي تصرخ «النار ولا العار»، وبدأ الرومان في إحراق المدينة بيتاً بيتاً، إلى أن انطفأ اللهب بعد 17 يوماً، وقد أكل الأخضر واليابس، وختم سكيبو تجربته الرهيبة، بأن أمر بحرث قرطاج بالمحاريث، ورشها بالملح، حتى لا تعود أراضيها قابلة للزراعة.

في عام 44 ق م، قرر الإمبراطور الروماني يوليوس قيصر، إعادة بناء مدينة قرطاج، بعد أن كانت أوتيكا العاصمة، ولكن أعمال البناء لم تبدأ رسمياً، إلا مع خلفه أوغيست، وبذلك بدأت فترة ازدهار في أفريكا، وهو الاسم الذي حمله شمال تونس آنذاك، وأخذت منه القارة الأفريقية اسمها، وقد عرّبه العرب الفاتحون، ليكون أفريقيا، وقد أبدع الرومان في العمران والزراعة، حتى صارت أفريكا تلقب بمطمورة روما، وتحولت قرطاج الرومانية إلى ثاني أكبر مدن الغرب بعد روما، من حيث عدد السكان، الذي ناهز 100 ألف نسمة، كما أصبحت العاصمة الإقليمية للامبراطورية الرومانية، وفي عام 439 م، احتلها كيسريك ملك قبيلة الفاندال الألمانية، وحكمها الألمان حتى عودة الرومان البيزنطيين في 15 أكتوبر 533 م، بقيادة بيليساريوس. لكن في أواخر سنين الإمبراطورية الرومانية، قل عدد سكان أفريقيا الشمالية، وبعد فتح قرطاج في سنة 698 م، أصبحت مدينة قريبة منها تسمى تونس، أهم منها، وأخيراً، أصبحت قرطاج أثراً غير مسكون.

قرطاج اليوم

وقرطاج اليوم، هي جزء من الضاحية الشمالية للعاصمة تونس، تأسست بلديتها في عام 1919، ويبلغ عدد سكانها حالياً 18،279 ساكناً، حسب تعداد 2020، وتصل مساحة مناطقها الأثرية حوالي 407 هكتارات، تقريباً 63,58 % من المساحة الجملية، وفي 1985، صنف موقع قرطاج ضمن قائمة التراث العالمي، التي وضعتها اليونيسكو،

وتعتبر قرطاج، التي توفرت على عدد كبير من المؤسسات والمنشئات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والرياضية والسياحية، مركز السيادة، حيث يوجد بها القصر الرئاسي، وهو مقرّ العمل الرسمي والإقامة لرئيس الجمهورية، والذي كان في عهد الاستعمار الفرنسي، مقرّاً لإقامة الكاتب العام للحكومة التونسية، أي الموظف السامي الفرنسي المكلّف بمراقبة حكومة ملك تونس آنذاك، وبعد الاستقلال، وبقرار من الرئيس الحبيب بورقيبة، أصبح قصراً رئاسياً، خلفاً لقصر السعادة بالمرسى، وكلّف الزعيم بورقيبة، المعماري الفرنسي من أصل تونسي أوليفييه كليمون كاكوب، بإجراء العديد من التغييرات والتوسعة.

ومن بين الآثار التي لا تزال شاهدة على عظمة تاريخ قرطاج، مقبرة بونيقية، ومنزل روماني يعود تاريخه إلى القرن الثالث، تم ترميمه جزئياً في سنة 1960، ويتميز بجمال فسيفسائه التي تغطي أرضية البهو، فيما ينتصب «الأديون»، أو المسرح المغطى، على قمة الهضبة التي تحمل اسمه، ويتقدمه شمالاً بهو في شكل مستطيل، قد تهدم كلياً، ولم يبقَ منه سوى الأسس، وبعض العناصر المعمارية، وبعض الزينة التي عثر عليها خلال الحفريات 1900-1901، وهناك المسرح الروماني الذي شيد في أوائل القرن الثاني قبل الميلاد، ويتميز بجمال هندسته وزخرفته، وبمدارجه نصف الدائرية التي يفوق قطرها 100 متر، تتخللها أعمدة متوجة من الرخام المزركش، وقد زيّن بتماثيل، لعل أهمها تمثال أبولون، والذي تم إيداعه بمتحف باردو.

وقد لعب هذا المسرح دوراً هاماً جداً في حياة سكان قرطاج، الذين كانوا مولعين بالمسرح والموسيقى، وفن المحاكاة والفلسفة، ما ساهم في إشعاع الثقافة في تلك الحقبة، ولا يزال إلى الآن قبلة للوافدين من هواة الفنون بمختلف أنواعها، من مسرح وموسيقى ورقص، وقد رمم سنة 1967، ليكون فضاء مهرجان قرطاج الدولي، الذي عادة ما ينتظم في شهري يوليو وأغسطس من كل عام، منذ أن تأسس في العام 1964.

من آثار قرطاج

كما توجد الصهاريج المعلقة في الحزام الريفي في آخر المنطقة العمرانية، وهي أعظم ما يوجد بالمدينة، بل في كل الإمبراطورية القرطاجية، وتتكون من 15 صهريجاً، طول الواحد 100 متر، وعرضه 7 أمتار، وارتفاعه 7,50 أمتار، تحتل كلها أكثر من هكتار من المساحة، وتبلغ كمية خزنها أكثر من 50.000 متر مكعب. وقد استعملت هذه الصهاريج في القرون الوسطى، من طرف سكان القرى المجاورة.

وهناك متحف قرطاج، الذي تأسس عام 1875، في مقر المبشرين الآباء البيض. وقد حمل اسم زعيمهم، الكاردينال لافيجري، وقد عرض فيه في البداية، مكتشفات الآباء البيض في قرطاج. وقد حمل المتحف اسمه الحالي عام 1956، وفتح لأول مرة أمام الجمهور عام 1963. وفي تسعينيات القرن العشرين، أعيد تنظيمه، ليحتضن مكتشفات التنقيبات الأثرية، التي تمت في إطار الحملة الدولية لليونيسكو، والتي جرت في ما بين 1972 و1995.

وهناك حي ماغون، وتم اكتشافه بعد حفريات عدة، أجريت على ضفاف البحر، وهو يمثل تجمعاً سكنياً، يعود إلى القرن الخامس ق م، ويتميز بوجود حي حسب تصميم متناسق محمي بسور مزود بكل شيء، بما في ذلك مرسى بحري، تقوم داخله مجموعة من المباني ذات الطوابق، نجدها مجزأة إلى شقق سكنية، على غرار عماراتنا العصرية، كما نجد به دكاكين مفتوحة على الشارع بالطابق الأرضي من المباني. قد تم تشييده في عهد حنبعل.

وتبقى الحمامات حتى اليوم، أفخم معلم بحضارة قرطاج الرومانية، شيدت على شاطئ البحر في منتصف القرن الثاني بعد الميلاد (145 م- 162 م)، ثم دمرها الفندال، فبقيت مدة طويلة مغمورة تحت التراب. ولم يتم الكشف عنها وإزاحة التربة من فوقها، إلا بعد سنة 1945، وهي تأتي في المرتبة الثالثة في العالم، من حيث الحجم، بعد حمامات كاركالا بإيطاليا، وحمامات ديوكليسيان بسوريا.

ولا يقف الأمر عند هذا الحد، فهناك الكثير مما يمكن اكتشافه في قرطاج.

يذكر أن حوالي 100 مدينة وموقع في العالم، يحمل اسم قرطاج أو قرطاجنة، وهو أكثر اسم يتم تداوله. والمدينة الأولى، هي قرطاج تونس، والثانية هي قرطاجنة الإسبانية، التي بناها القرطاجيون سنة 227 ق م، وكانت إسبانيا وقتها تابعة لجمهورية قرطاج، وبقية المدن في أمريكا الشمالية والوسطى والجنوبية، وفي الفلبين، بناها المستعمر الأوروبي، وخاصة الإسباني، بداية من القرن 16 م.

Email