«الأضحى» في لبنان فرحة منقوصة بسبب تعدد الأزمات

ت + ت - الحجم الطبيعي

حلّ عيد الأضحى على اللبنانيّين، هذا العام، وهم ليسوا في أحسن حال. فالبهجة التي كان يزرعها في نفوسهم عادةً غابت هذه المرّة، على وقْع الانهيارات المتتالية التي يرزحون تحت عبئها، وتحت وطأة مشهد عام بدا ضائعاً تماماً أمام أفق شديد الارتباك والغموض.

أمّا أهل المنظومة، فطيّروا البركة من الجيوب والمعاجن والقلوب، إلى حدّ توفير خواريف العيد، وتقديم اللبنانيّين ذبائح وأضاحي في هياكل جشعهم، ولم يرفّ لهم جفن، تماماً كما شوّهوا الدولة وفكّكوا أوصالها ونهبوها ببشرها وحجرها والمؤسّسات.

وفي هذه الأجواء المناقضة لمفاهيم السماء والأرض، لم تخفِ «أم ربيع» حسرتها على فرحة كانت تعمّ الشوارع، في استقبال «العيد الكبير» الذي كان يبدأ لدى الصغار والكبار على السواء قبل أسابيع من حلوله، ويمتاز بوجه وخاصيّة اجتماعية، تتبدّى بمجموعة من الممارسات تمثل قيماً إنسانيّة متوارثة يتمّ خلالها التعبير عن الفرح والعطاء والتواصل ومساعدة الغير، تُضاف إليها مظاهر احتفالية كانت تتنامى سنة بعد أخرى، حاملةً في طيّاتها مظاهر مدينيّة ومعاصرة.

ومن ذاكرتها الملأى بالتفاصيل، تستذكر السيّدة الستينيّة، التي تمسح آثار الرطوبة من جبينها المتعرّق وشعرها الشائب، حركة البركة وعجقة السيارات الخانقة، والأسواق الممتلئة بالناس من كلّ الطبقات، والزينة والمصابيح الكهربائيّة التي كانت تتدلّى من شرفات المنازل، واللافتات التي كانت تحمل عبارات التهنئة للحجّاج «حجّ مبرور وسعي مشكور» في الأحياء وعلى مداخل المنازل.. تتطلّع إلى البعيد كمن تلملم أفكارها، وتختصر ما آلت إليه أحوال الأغلبيّة الساحقة من اللبنانيّين بسؤال «يتيم»: هل أصبح قدر أولادنا وأحفادنا أن نعجز عن إدخال البهجة إلى قلوبهم في الأعياد؟، وبخلاصة مفادها: «هذا العيد مضى بغصّة، حتى من دون حصولنا على الأضاحي».

تغير المشهد

وما بين الأمس واليوم، تبدّل المشهد، إذْ لم يتعوّد اللبنانيّون على النمط الجديد لغلاء الأسعار، بما تجاوز قدرتهم الشرائيّة بأشواط، فذهبوا للتسوّق ثم عاد معظمهم بأيادٍ فارغة، كما هو حال «أبو كريم»، والذي أشار لـ«البيان» إلى خلوّ باحات متاجر اللحوم من الخرفان التي كانت تكتظّ بالمئات عشية العيد، فيما بدا الانشغال بتحضيرات العيد البسيطة، من حلوى تتوزّع بين «المعمول» المحشو بالجوز والفستق والتمر والبقلاوة والشوكولا وشراء ثياب جديدة للأطفال، متنفّساً لجأ إليه البعض القليل.

فرحة منقوصة

ومهما يكن، احتفل الكثيرون بالعيد وأحيا البعض عاداته وتقاليده وطقوسه الموروثة، بما تيسّر وبما ترجم الفرحة «المنقوصة»، ومنهم السيّدة الخمسينيّة المنى، التي لم تجد وسيلة لـ«فشّة الخلق»، وفق تعبيرها، إلا باستعراض بعض مشاهد العيد في بيروت، في الماضي، حيث كان المسلمون يبدأون صبيحة العيد، أو حتى من عشيّته، بزيارة الأضرحة لقراءة الفاتحة لمن فقدوهم، ومن بعدها بزيارة المؤسّسات الإنسانية لتقديم الأضاحي عن أرواح من افتقدوهم من الأقارب أو الأصحاب أو الأسرة، إمّا بالمال وإما بنحْر الخراف.. بعد ذلك، تلتقي الأسر العائليّة في لقاءات مصافحة ومعايدة وتقديم الحلويات والزهور والمصاحف الشريفة، ولا سيّما الهديّة الخاصة بالأطفال، أي «العيديّة». فـ«عن أيّ عيد أتحدث اليوم؟ عن العيد المرهم أو عن العيد الجرح؟ عن العيد الأمل أم عن العيد اليأس؟ عن العيد الذي كان من فرص الملحمة لتُكتب، فصار فرصتها لتُقرأ؟»، تختم منى كلامها بالأسئلة المعلّقة حتى إشعار آخر.

Email