لبنان بعد اعتذار الحريري: عوْد على بدء أزمة التكليف والتأليف

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد تسعة أشهر إلا أسبوع على التكليف، وقبل نحو 15 شهراً على انتهاء العهد (30 أكتوبر من العام المقبل)، خرج الرئيس سعد الحريري من عهد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، أوّل من أمس.

وبعدما قال له عون في مناسبة تشكيل الحكومة ما قبل الأخيرة في عهده «ما رح نقدر نتفق»، ردّ الحريري بالاعتذار وخرج من حلبة التأليف، خاتماً المسيرة المضنية التي رافقت تكليفه بعبارة واحدة: «الله يعين البلد». في المقابل، هزم عون المجتمع الدولي، ولم يوقّع على التشكيلة التي قدّمها الحريري، مستعيداً سيناريوهات الثمانينيات في «حرب إلغاء» جديدة للصلاحيات والرئاسات. وفي بيان له، أزال عون الحمل عن كاهله، و«بشّر» اللبنانيّين بجولة استشارات «سريعة» لتسمية البديل وتأليف حكومة قبل الرابع من أغسطس المقبل، حيث ما بعد هذا التاريخ لن يكون كما قبله.

وهكذا، انتهى تكليف الحريري باعتذار، وخطا البلد المثقل بالإنهيار أمتاراً إضافيّة نحو المجهول، مع بدء مرحلة جديدة، بكلّ عناصرها ومعطياتها، قد تكون محفوفة بكثير من المخاطر والتطوّرات، وربّما المفاجآت، التي يُخشى أن تفاقم حال الإنهيار الحاصل، مع ما يعنيه الأمر من حتميّة انتظار المشاورات السياسيّة، قبل الاستشارات النيابيّة المُلزِمة لتسمية شخصيّة جديدة تُكلّف تأليف حكومة، عساها أن تتمكّن من إبقاء لبنان على خارطة الدول القابلة للحياة. وعليه، احتل صدارة المشهد سؤال «يتيم»: ماذا بعد الاعتذار، من خطوات دستورية أو سياسيّة؟

«النقطة الصفر» مجدّداً

وفي الانتظار، ضجّت القراءات السياسيّة بالإشارة إلى أنّ اعتذار الحريري أعاد الأزمة الحكوميّة إلى «النقطة الصفر»، لأنّ أسبابها مستمرّة، حتى لوْ تغيّرت الأسماء وتبدّلت الوجوه. وبمعنى أدقّ، لا يوجد في الأفق، حتى الآن، أيّ مؤشر إلى احتمال توافق المعنيّين على خلف للحريري، في ظلّ إصرار الأخير على عدم تسمية أيّ شخص يُكلّف بالمهمّة، تاركاً المسؤوليّة لحلفاء عون و«حزب الله»، كما قال، وكذلك على طبيعة الحكومة الجديدة، ومواصفات وزرائها، وتوزيع حقائبها، سياسياً وطائفياً، وما إلى ذلك من مسائل كانت السبب في عدم تمكّن الحريري من تأليف حكومته وذهابه إلى الاعتذار.

ولعلّ السؤال الأبرز، اليوم وبعده، هو عمّن سيجرؤ على خوض غمار تشكيل حكومة جديدة. وهل يجرؤ «حزب الله» و«التيار الوطني الحرّ»، مع الرئيس عون، على تكرار تجربة حكومة الرئيس حسّان دياب؟.. علماً أنّ الإجابة على هذه الأسئلة تقتضي معرفة متى سيحدّد الرئيس عون موعد الاستشارات النيابيّة لتسمية من سيخلف الحريري في المهمّة شبه المستحيلة في وقْف التدهور والإنهيار، خصوصاً لجهة كوْن الرئيس المعتذِر لم يفتح الباب أمام تسهيل مهمّة الرئيس عون بالدعوة إلى استشارات جديدة. وإذا كان من المبكر تقديم إجابات عاجلة، لئلا تأتي متسرّعة، لكنّ المؤكد أن الرئيس الحريري خرج من معادلة السلطة التنفيذيّة، وقد يستعدّ لمعادلة ومنازلة الانتخابات النيابيّة.

تتويج مسار التعطيل

وفي القراءات أيضاً، فإنّ ما حصل لم يكن سوى تتويج لمسار تعطيل العهد لتشكيل الحكومة، والتمترس وراء الذرائع المفتعلة منذ نحو تسعة أشهر، لأنّ سيّد العهد وتياره (التيار الوطني الحرّ) تعهّدا عدم الاستسلام لتشكيل الحريري الحكومة، تماماً كما عُطّلت سدّة رئاسة الجمهورية سنتين ونصف السنة بدعم من «حزب الله» إلى أن فرض انتخاب عون رئيساً. وعليه، ليس من المغالاة في شيء، وفق القراءات، التخوّف من أن يكون لبنان انزلق، منذ أوّل من أمس، إلى المجهول الأخطر إطلاقاً منذ بدء أزمات انهياراته، بدءاً بأزمة حكم هذه المرّة، قد تُترجم باستعصاء في تكليف وتأليف.

Email