لبنان.. «وجهاً لوجه» أمام ضحايا الدواء والكهرباء والماء!

ت + ت - الحجم الطبيعي

بالأمس القريب، لم تصمد الرضيعة جوري السيّد أكثر من 10 شهور على قيد الحياة تحت فكّ السلطة الحاكمة في لبنان، فارتحلت عن أهلها وديارها إلى «العناية الإلهيّة»، بعدما تعذّر إيجاد «غرفة عناية» ‏متخصّصة لإنقاذ حياتها وحياة أقرانها من الأطفال، كما روى الوالد المفجوع مازن، معرباً عن اليأس ‏من مناشدة الطبقة الحاكمة، ومكتفياً بالقول: «يا عيب الشوم.. لمن أوصل صوتي؟ للتماسيح؟ لا ‏أحد يسمع سوى الله‎».

وهكذا، في سجلّ صفحات لبنان السود، بلغت جوري سنّ الموت في عمر الأشهر العشرة، فغفت في الطريق بين المستشفى والعناية، قبل أن تفارق الحياة. أمّا كلّ ما كانت تتوسّله، فحبّة دواء تسكّن ألمها وتخفّف حرارتها، في بلد تغلي فيه الأزمات على درجات صهرت قلب أهلها وفطرت قلوب اللبنانيّين جميعاً. وبالتأكيد، هي لم تكن تعلم، وهي غير معنيّة، بأنّ بلدها، حيث الواقع السياسي منفصم عن واقع الحال، قد وصل إلى مرحلة تُفقد فيه أدوية مخفّضات الحرارة، وصار فيه الدواء عملة نادرة، بين احتكار تجّار الأزمات وإمضاء الحاكم بأمره.

وكما سلّمت عائلة جوري أمرها للعناية الإلهيّة، بعدما قضت ضحيّة الفساد وانهيار القطاع الصحّي وانقطاع الدواء، كذلك فعلت عائلة المسنّ بسام هدبا، الذي قضى على سريره ضحيّة انقطاع التيّار الكهربائي في بلد مطفأ عن بكرة أبيه، إلا من نار الوجع، وبعدما عجز عن تشغيل الماكينة التي تمدّه بالحياة، وعائلة الشاب عمر الجيلاني (27 عاماً)، المتزوّج منذ 3 أشهر، والذي قضى خلال تركيبه خزّان خاص بمنزله على سطح البناية التي يقطنها بسبب الانقطاع المتكرّر للمياه. وكان الأخير قد شارك منشوراً، على صفحته على «فايسبوك»، ينعى فيه الطفلة جوري والحاج بسّام اللذين «دفعا حياتهما ضريبة عيشهما في لبنان».

ثلاث حيوات، بأسمائها المعلنة، تشتّتت بالموت على مرمى علبة دواء ودقائق «مسروقة» من تيار كهربائي لشحن آلة تنفّس و«غالون» ماء. والحصيلة ثلاث أرواح جميلة، رحلت، أو بالأحرى «رُحِّلت»، عن لبنان بسبب غياب معايير الحياة الأساسيّة، نتيجة إهمال الدولة، فيما كلّ المؤشّرات تشي بأنّ لحظة السقوط الكارثي باتت وشيكة، وتنذر بالإجهاز على البقيّة الباقية من وطن مصدّع بالكامل، وما من قول ينطبق عليه أكثر من قول الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش: «في مكان الإنفجار، أينما ولّيْت وجهك: كلّ شيء قابل للإنفجار». وهذه الصورة السوداويّة يُفترض أن تواجهها أيّ سلطة في العالم، فتدقّ النفير العام، لوقف الانهيار قبل السقوط الأخير. ذلك أنّ كلّ أسباب الحياة صارت «معدومة» في دولة تحكمها «غرف سوداء» تقامر بالناس وتسرقهم، و«الحبْل على الجرّار» صعوداً نحو المجهول أكثر، وما مَن يفكّ هذا اللغز.

وما بين هذه المشاهد الثلاثة المأساويّة، إيعاز «يتيم» من وزارة الصحّة بفتْح تحقيق في ملابسات وفاة الطفلة جوري، وذلك وفق الصيغة المتعارف عليها في بلد لا يخرقه استدعاء ولا ادّعاء ولا كلّ ما يمتّ إلى المحاسبة بصلة، والتي عادةً ما تقود إلى نهاية مأساويّة ثانيّة، تنتهي بتقديم التعازي لذوي الضحايا، مرفقةً بعبارة: «العوض بسلامتكن»!.

 

Email