«حرْب الرئاسات» في لبنان: أبعد من حكومة.. وأقرب إلى استحقاق انتخابي

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا تزال إرادة التعطيل والاشتباك السياسي، في كلّ الاتجاهات، سيّدة المشهد الحكومي في لبنان، وكان لها ما أرادته وسعت إليه، منذ تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة في 22 أكتوبر من العام الفائت، وخصوصاً لجهة إسقاط المبادرات والوساطات، وقطع شعرة العلاقة بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلّف، وفضّ الشراكة بينهما في إخراج صيغة حكوميّة توافقيّة بحجم الأزمة الخانقة التي تضرب البلد، فيما يتعذّر على أيّ طرف معنيّ بالأزمة أن يقلب الطاولة ويعلن انتهاء أيّ مهلة، ما دام التكليف قائماً، وما دام الرئيس المكلّف ليس في صدد الاعتذار. 

وفيما الجمود لا يزال مستمرّاً على ضفّة التشكيل الحكومي، والأزمة السياسيّة على حالها، فإنّ هناك إجماعاً على أنّ تشكيل الحكومة «سقط» نهائياً، وحتى إشعار آخر، تحت غبار المعارك الرئاسيّة العبثيّة، والبيانات المضادّة بين رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس النواب، والتي أبقت الحريري رئيساً مكلّفاً مع «وقف التأليف» حتى إشعار آخر، وذلك تزامناً مع مرور ثمانية أشهر على تكليفه. وبالتالي، وفي ظلّ اشتباك الإرادات المتصادمة، الذي أفضى إلى إعدام كلّ فرص تأليف الحكومة الجديدة، وأبقى البلد في عهدة حكومة تصريف الأعمال، ويُنذر بإبقائه في عهدتها حتى نهاية العهد الحالي (31 أكتوبر 2022)، وفق ما يؤكّده القرار الحاسم بالتعطيل، فإنّ القوى السياسيّة، على اختلافها، باتت تحضّر نفسها لاشتباك آخر في مدى غير بعيد، من بوّابة استحقاق الانتخابات النيابيّة المقبلة، الذي يُفترض أن يتمّ قبل نهاية ولاية المجلس النيابي الحالي في 23 مايو من العام المقبل. وهنا، تجدر الإشارة إلى أنّ عناصر الاشتباك المقبل تتوزّع حول اقتراحات تعديليّة، تبدأ باقتراح توسيع الدوائر الانتخابية، ولا تنتهي باقتراح خفض سنّ الاقتراع إلى 18 سنة، وإلى أنّ هذه التعديلات يُفترض أن تُنجز في فترة وجيزة، لا تتعدّى أسابيع قليلة، على أن يصدر فيها القانون بصيغته المعدّلة قريباً، ما يتسنّى للمرشّحين، كما للناخبين، التحضير لهذا الاستحقاق.

تبدّل الأولويّات

ووسط ظروف تنذر بانزلاق البلاد بسرعة كبيرة نحو مرحلة محفوفة بأخطار غير مسبوقة، فإنّ في المقلب الآخر من الصورة مشهداً سياسياً يبدو أكثر إثارة للغموض والخشية من ‏مرحلة قد تحمل نهاية دراماتيكيّة لأزمة تعطيل الحكومة. ذلك أنّه، ومع لعبة تضييع الوقت المتمادية على حلبة التأليف، في سياق استنفاد ما بقي من هامش لمحاولة إبقاء خيار التسوية الحكوميّة قائماً، بدأت المساحة الزمنيّة الفاصلة عن موعد الانتخابات النيابيّة تضيق، إلى حدّ أنّ الوقت الضائع بات يُنذر بانقلاب الأولويّات، بما يجعل تأليف الحكومة، المختلَف عليها، استحقاقاً ثانوياً لا قيمة أو فعاليّة له أمام الأولويّة التي سينصرف إليها الجميع، والمتمثلة بالانتخابات النيابيّة لانتخاب مجلس نيابي جديد بدل المجلس الحالي الذي تنتهي ولايته في 23 مايو من العام المقبل. وعليه، فإنّ الفترة التحضيريّة ستسري من الخريف المقبل، أي بعد نحو 4 أشهر على أبعد تقدير، ما يعني أنّ الحكومة المتصارَع عليها، إنْ تشكّلت، محدّد عمرها سلفاً ببضعة أشهر لا أكثر، ومهمّتها قد تنحصر في إجراء الانتخابات المقبلة.

 

حسابات انتخابية

وعليه، ارتفع منسوب الكلام عن أنّ المعركة الدائرة على حلبة التأليف، ظاهرها خلاف على حصص وحقائب وتسمية وزراء، أمّا في جوهرها فمعركة حسابات انتخابية، يسعى من خلالها كلّ طرف إلى تعزيز رصيده السياسي والشعبي أمام خصومه، تحضيراً للانتخابات النيابيّة المقبلة. ذلك أنّ تضييع الوقت قلّص مساحة العمل الممكن للحكومة، إذا ما تمّ التفاهم عليها الآن، لفترة أقصاها نوفمبر المقبل، وستتقلّص أكثر كلّما تأخر تشكيلها.

Email