«أزمة الوقود» تحيل شوارع لبنان إلى مواقف للسيارات

ت + ت - الحجم الطبيعي

عطفاً على المآسي اليوميّة التي لا تفارق لبنان، أدمت «مجزرة السعديّات» (على الطريق المؤدي من الجنوب إلى بيروت) قلوب اللبنانيّين، حيث أودت بحياة عائلة بكاملها، مؤلّفة من الأمّ وبناتها الأربع، أثناء توجّههنّ إلى مطار بيروت لملاقاة الأب عماد حويلي العائد من ليبيريا في القارّة الأفريقيّة، بعد طول غياب.

وهذه المأساة تركت أثراً بالغاً في نفوس اللبنانيّين، لا سيّما وأنّها نتجت عن «طوابير الذلّ» المستجدّة أمام محطات الوقود، إذْ اصطدمت سيّارة العائلة بأخرى كانت متجهة عكس السير لتحجز لها مكاناً في طابور أمام إحدى المحطات.

بالقطّارة

ومن بوّابة هذه المأساة، كثر الحديث عن المعالجات «المعلّقة» لأجل غير مسمّى، ومنها أن لا محروقات إلا بـ«القطّارة»، فيما اللبنانيون، ومنهم أفراد عائلة حويلي الذين قضوا أمام إحدى المحطات ليل أول من أمس، ينتظرون بالصفّ للحصول على بضعة ليترات من البنزين، مع ما يعني ذلك من إذلال لم يشهدوا مثيلاً له حتى أيام الحرب.

وبمعنى أدقّ، فإنّ «الإذلال» هي الكلمة التي تختصر واقع اللبنانيّين هذه الأيام. إذلال في كلّ مكان وفي أيّ ساعة، ولا سيّما على محطات المحروقات، حيث الصفوف الطويلة والانتظار الأطول، واللهاث المرير وراء ليترات معدودة لا تروي غليل الـ«رزرفوار» الجافّ.

وصف المشهد اللبناني بأنه سلبي، جزء من الحقيقة، إذْ بات لبنان كلّه موقفاً كبيراً للسيّارات المنتظرة تعبئة الوقود على منصّة دولار سوق سوداء تجاوزت الـ15 ألفاً، ولا شيء يتقدّم عهد الفراغ سوى الذلّ بشهادة مصدّقة، على امتداد طوابير، أصبحت ماركة لبنانيّة مسجّلة، للانتظار على محطّات المحروقات.

فيما لا يخلو المشهد من أوتوسترادات يقطعها شبّان الغوغاء بدواليب مشتعلة، وقد ازدحمت الطريق إليها بطوابير مئات الكيلومترات من السيارات، متوقّفة هكذا إلى ما لا نهاية بلا بنزين.

سلطة غائبة

وفي حصيلة المشهد: طوابير من السيارات الممتدّة لأكثر من كيلومتر، مهانة الجلوس وراء المقود، فوضى وإشكالات أمام المضخّات على أفضليّة التعبئة وكميّاتها، والكثير من عمليات الرشى و«التشبيح» والتذمّر.

وعليه، لا يتردّد كثيرون من استعارة توصيف الواقع (النكبة) وإسقاطه على يوميّاتهم مع البنزين، ومنهم فؤاد (39 عاماً)، الذي يرى أنّ المسألة انتقلت من كوْنها أزمة خلقها شحّ الدولار وتهافت تجار الأزمات على تخزين البنزين وتهريبه، إلى «نكبة لا يدفع ثمنها سوى المواطن»، وفق قوله لـ«البيان».

في المقابل، لا تزال السلطة الحاكمة في لبنان تراقب مشهديّة الذلّ التي يعايشها اللبنانيّون على قارعة الطرق توسّلاً لـ«رشْفة بنزين» فيما «طوابير البنزين» تتمدّد، والمحطّات ربطت «خراطيمها» بمخزون المصرف المركزي، في مشهد لم يسبق له مثيل حتى في حقبات الحروب والاجتياحات التي عرفها لبنان، وفي ضوء المراوحة الحكوميّة التي لا تزال على حالها من العرقلة، فيما المؤشرات كلّها تؤكد أنّ «الآتي أعظم».

Email