لبنان .. «حرب الرئاستين» تعيق محاولات إحياء المبادرات والوساطات

ت + ت - الحجم الطبيعي
في ظل تحوّل الصراع السياسي المديد على الأزمة الحكومية في لبنان إلى مبعث عداوة شخصية وسياسية في آنٍ واحد، شهدت الساعات القليلة اشتعال «حرب الرئاستين» مجدداً.
 
وتفجرها في مستويات غير مسبوقة، منذرةً هذه المرة بإشعال آخر المراكب بين الرئاستين الأولى والثالثة، وبالتالي الإطباق النهائي على كل محاولات إحياء المبادرات والوساطات، وآخرها مبادرة البرلمان، التي لم يعد مستبعداً أن تؤول إلى مصير مماثل للمبادرة الفرنسية، أي الإخفاق في اختراق جدار تعطيل تأليف الحكومة الجديدة.
 
ووسط الخشية المتعاظمة لدى دول عدة، عربية وغربية، من تسارع وتيرة الانهيارات اللبنانية، وقيام هذه الدول بضغوط استثنائية لتأليف الحكومة التي ينتظرها المجتمع الدولي.
 
فإن ما جرى على جبهة رئاسة الجمهورية و«التيار الوطني الحر» من جهة، و«تيار المستقبل» في الجهة المقابلة، تجاوز آخر الخيوط الواهنة من الآمال المتبقية على مبادرة رئيس مجلس الوزراء نبيه برّي، أو على إمكان تعويم محاولة تأليف الحكومة في ظل معطيات أخرى غير مرئية، إذْ تصاعد التوتر والاحتقان السياسي بين الطرفين، عبر سجالات بالغة الحدة والعنف، عكست ما يُخشى أن يشكل تثبيتاً لاستحالة نجاح أي محاولة جديدة لـ«التعايش» السياسي بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري في تجربة الحكومة الموعودة.
 
نقطة اللاعودة
 
ووفق تأكيد مصادر سياسية لـ«البيان»، فإن الصورة من الجهات الرئاسية الثلاث باتت في منتهى الوضوح: أفق التفاهم والتأليف صار مسدوداً بالكامل، الكرة في ملعب عون والحريري، لكنهما بلغا نقطة اللاعودة، وبري يرفض التسليم بهذا الانسداد، وهو متمسك بمبادرته بوصفها تشكل «الفرصة الوحيدة والأخيرة» لصياغة تفاهم بين الشريكين اللدودين، رغم إدراكه بأن هذا التفاهم، ومع تصاعد وتيرة الحرب الدائرة بينهما، بات ميؤوساً منه. وبالتالي، فإن المشهد على حلبة التأليف بات «ما فوق المتفجر»، فيما كل الدروب باتت مفتوحة نحو الأسوأ.
 
وبمعنى أدق، فإن الحديث عن إمكانية التفاهم بين عون والحريري على تأليف حكومة، ووفق الإجماع السياسي القائم، لا يستقيم على الإطلاق مع مقاربتهما لملف التأليف كخطين متوازيين لا يلتقيان إلا بأعجوبة ما.
 
وفي محصلة المشهد، فإن ثمة إجماع على أن المبادرة التي قادها بري «سقطت» حتى إشعار آخر على الأقل، والوضع بين الرئاسة الأولى والرئيس المكلف بلغ الطريق المسدود، فيما «حكومة المهمة» المنتظرة تكابد للنجاة وسط «قصف» البيانات، والمساعي مستمرة والآمال تصارع من أجل البقاء، مع معرفة الجميع أن المبادرة الحالية هي آخر المحاولات.
 
وبالتالي، لا تزال فرص التأليف تتساوى، بحذر، مع ‏عدمه، إذ بمقدار ما أن ثمة فرصة جدية في ظل قوة دفع استثنائية ‏يمكن أن تولد حكومة، بمقدار ما أن احتمالات إجهاض هذه الفرصة ‏قائمة، وما هي إلا ساعات قليلة حتى يظهر الخيط الأبيض من الخيط ‏الأسود، فإذا تشكلت الحكومة، تبدأ مرحلة جديدة بعناوين وتحديات ‏مختلفة. وفي حال أُجهضت هذه الفرصة، تكون البلاد أمام احتمالين لا ‏ثالث لهما: استمرار الفراغ حتى نهاية العهد (31 أكتوبر 2022)، أو بدء التفكير الجدي ‏بحكومة الانتخابات.
 
Email