لبنان.. والساعة المضبوطة على توقيت الحكومة المفقودة

ت + ت - الحجم الطبيعي

غداة انطلاق الحركة السياسية الكثيفة في لبنان، على خلفية تفعيل مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه برّي لتذليل عقبات تشكيل الحكومة، لم تحمل الساعات الأخيرة أيّ جديد يبدّل الانطباعات المتشائمة حيال مبادرة «الفرصة الأخيرة»، ومعها فرصة استيلاد الحكومة العتيدة. وعليه، ارتفع منسوب الشكوك في أن يمرّ الأسبوع الجاري، الذي تردّد أنه يشكّل مهلة حاسمة لبتّ مصير المبادرة، من دون أيّ نتائج، قبل أن يسحبها صاحبها من التداول، في حال اصطدمت بالإخفاق.

وبين طوابير الانتظار الطويلة يتواصل البحث عن الحكومة المفقودة، فيما تبدو تطورات المساعي لتأليف الحكومة «معلّقة» على عقارب الساعات المقبلة، وضمنها انقشاع حقيقة النيّات أو انكشافها، مسهّلة كانت أم معرقلة للجهود التي يقودها برّي من أجل فتح مسار التأليف الحكومي وتوسيعه أمام المعنيّين مباشرةً وعمليّاً في التأليف، وأمام اللبنانيين الرازحين تحت أسوأ أزمة معيشية- حياتية- اقتصادية تضرب بلدهم. أمّا الاستنتاجات الأولية، بحسب تأكيد مصادر معنيّة لـ«البيان»، فتفيد بأنّ حظوظ تأليف حكومة، في الأيام المقبلة، متكافئة بين حصول التأليف الحكومي وتطييره.

وسط هذه الأجواء، أطلق البنك الدولي تقرير إنذار جديداً حيال لبنان، فحذّر من أنّه «غارق في انهيار ‏اقتصادي، قد يضعه ضمن أسوأ عشر أزمات عالمية منذ منتصف القرن الـ19، في غياب أيّ أفق حلّ ‏يخرجه من واقع متردٍ يفاقمه شلل سياسي». والمقصود بغياب الأفق، عدم وجود سلطة تنفيذية تملك برنامجاً، وتعذّر تشكيل حكومة تطبّق هذا البرنامج. وفيما هذا التقرير صدر عشيّة وصول وفد من صندوق النقد الدولي إلى لبنان غداً الجمعة، فغنيّ عن القول إنّ صرخة البنك الدولي انضمّت إلى جوقة دوليّة تنادي المنظومة وتحذّرها للمرّة الأخيرة ممّا تقترفه.

إلى ذلك، لا تزال المعركة بين الرئيس المكلّف سعد الحريري و«الوكيل الرئاسي»، رئيس «التيار الوطني الحرّ» النائب جبران باسيل، مستمرّة وتؤكد أنّ عقدة التأليف تكمن هنا. ذلك أنّ ما يجعل المفاوضات غير المباشرة أكثر صعوبة، هو شعور الفريقيْن بأنّ كلاً منهما يملك السلاح الكاسر للمراوحة والخصم في آن. فالرئيس ميشال عون وتيّاره باتا مقتنعيْن بضرورة قلْب الطاولة، والاستقالة من المجلس النيابي والذهاب إلى انتخابات نيابيّة مبكرة، بما يسقط تكليف الحريري.

أمّا الحريري، فواثق من أنّ الخطوة ستقوّيه سنيّاً، وستحول دون قبول أيّ سنّي قوي بتولّي المهمّة مكانه، وبأنّ العهد غير قادر على العودة بأكثريّة نيابيّة ومسيحيّة مرجّحة، ما سيسهم في إضعافه أكثر. أمّا السلاح الأخبث والأخطر، فهو التسويق لحكومة انتخابات، لأنّ هكذا حكومة ستعفي نفسها من أيّ برنامج اقتصادي- إنقاذي، وستحوّلها الخلافات الخبيثة على قانون الانتخاب إلى حكومة تعطيل انتخابات وتمديد للمجلس النيابي الحالي، ومن ثمّ «البصْم» على التمديد لرئيس الجمهورية.

وعليه، أشارت مصادر مواكبة للمساعي الجارية لـ«البيان» إلى أنّ المسألة ‏أبعد من «شياطين تكمن في التفاصيل»، ولذلك هي أصعب، كوْن الأزمة ‏تنطلق من مبدأ رفض التعاون، والذي تحوّل إلى انعدام ثقة، وما بينهما ‏حسابات تبدأ من النصف الفارغ من الكوب، في ظلّ الخشية من أن لا ‏تتمكّن الحكومة العتيدة، التي يدور الخلاف حول تأليفها منذ أكثر من 7 ‏أشهر، من إخراج البلد من أزمته.

وفي المحصّلة، لا تزال فرص التأليف تتساوى مع ‏عدمه، إذْ بمقدار ما أنّ ثمّة فرصة جديّة في ظلّ قوّة دفْع استثنائية ‏يمكن أن تولِّد حكومة، بمقدار ما أنّ احتمالات إجهاض هذه الفرصة ‏قائمة، وما هي إلّا ساعات قليلة حتى يظهر الخيط الأبيض من الخيط ‏الأسود. فإذا تشكّلت الحكومة، تبدأ مرحلة جديدة بعناوين وتحديات ‏مختلفة. وفي حال أُجهِضت هذه الفرصة، تكون البلاد أمام احتمالين لا ‏ثالث لهما: استمرار الفراغ حتى نهاية العهد (31 أكتوبر 2022)، أو بدْء التفكير الجدّي ‏بحكومة الانتخابات.

Email