سوريا تواجه انزلاقات الأمن الغذائي

ت + ت - الحجم الطبيعي

الأزمة الكبرى التي عانت منها دمشق على مستوى المعيشة كانت مطلع منتصف الثمانينيات، حيث فقدت سوريا كل مقومات الاقتصاد المعيشي، بما فيها مادة الخبز، التي تتفوق فيها سوريا عن الكثير من الدول، إلا أن عام 1988 كان عام كارثة القمح في سوريا، حيث نفد كل الاحتياطي والمخزون، وباتت سوريا على شفا كارثة خبز، وعاشت أشهراً يوماً بيوم على مستوى الخبز.

كان ذلك أيضاً بسبب الحصار، الذي فُرض على سوريا، في الثمانينيات، ما أدى إلى نفاد الكثير من المواد الحيوية الاستراتيجية في سوريا، وهذا ما جعلها تتجه إلى مبدأ الاعتماد الذاتي خصوصاً على مستوى الزراعة والإنتاج، لكن هذا لم يكتب له أن يستمر في سوريا.

اليوم تتكرر الحالة السورية للمرة الثانية في تاريخها الحديث، ففي عامي 2020 و2021 ظهرت أزمة من نوع جديد، وهي أزمة الخبز لأكثر الدول العربية إنتاجاً وتصديراً للقمح، ناهيك عن الأزمات المرافقة مثل المحروقات والغاز، التي أدت إلى شلل حركة البلاد.

وتعود الأزمة المنتشرة على كل الأراضي السورية على المستوى الغذائي، إلى سبب توقف الأيادي الزراعية في سوريا، إثر الحرب المستمرة منذ 10 سنوات، كما أن زيادة الطلب على مادة الخبز، وانحسار المساحات الزراعية لزراعة القمح أدت إلى هذه الأزمة، على الرغم من الواردات الروسية إلى سوريا، لكنها لم تعد كافية.

ينطبق ما يجري على مستوى القمح على مستويات أخرى، من الخضراوات والفواكه وبقية المنتجات الأخرى، فمادة القطن الاستراتيجية في سوريا، التي تنتج في الجزيرة السورية وأواسط سوريا، تكاد تكون انتهت من الأراضي السورية خصوصاً في تلك المناطق، التي تحولت إلى ساحة حرب مفتوحة خلال الأعوام الماضية، بل كانت المناطق الأكثر تضرراً من تداعيات الحرب.

أمام هذا المشهد الزراعي القاحل والمؤلم في سوريا، الذي سيكون له تداعيات على الأمن الغذائي السوري، يدخل الجراد على خط الأزمة الغذائية في سوريا، حيث اجتاح آلاف الهكتارات في الجزيرة السورية (دير الزور)، التي تعتبر السلة الغذائية لكل سوريا، ولعل هذا من أخطر ما يواجه الجانب الزراعي في سوريا، وقد سبق الجراد قلة الأمطار والحرائق في غابات الساحل العام الماضي، وقبلها حرائق اجتاحت المناطق الزراعية في الجزيرة وخصوصاً استهدفت مادة القمح، وقد أعلن حينذاك تنظيم داعش عن تبنيه عمليات حرق المحاصيل، ليتبين أن ثمة شيئاً ممنهجاً ضد سوريا، يستهدف بالدرجة الأولى أمنها الغذائي، بعد خروجها من سنوات الحرب.

بحسب خبراء في الزراعة، فإن هذه الأزمات المتلاحقة يمكن أن يسبب بتراجع إنتاج محصول القمح في الموسم الحالي، إلى ما دون المليون طن، من أصل 3.5 ملايين طن أنتجتها سوريا في عام 2010.

ووفقاً لاستمرار وازدياد الحاجة إلى مثل هذه المواد وخصوصاً مادة القمح، وبحسب خبير زراعي من المتوقع أن يقفز سعر طن القمح من نحو 225 دولاراً أمريكياً في الموسم الماضي إلى ما يزيد على 300 دولار في الموسم الجديد.

وعلى الرغم من الدعم الروسي للدولة السورية في مجال القمح، فإن ذلك لم يعد كافياً لاحتياجات مناطق سيطرة الحكومة السورية، في ظل الخلاف مع الإدارة الذاتية أيضاً على مادة القمح.

وقد أضاف موسم الجراد، الذي اجتاح مناطق كثيرة في سوريا خصوصاً في شرق البلاد، مخاوف جديدة على الزراعة في سوريا، ناهيك عن استمرار الحال كما هو عليه في ظل جائحة «كورونا»، وعدم الاتفاق على المساعدات الأممية الصادرة عن مجموعة الدول المانحة، كل هذه العوامل من شأنها أن تثير مخاوف على مستقبل أمن سوريا الغذائي.

وكان برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، قد حذر في فبراير 2021، من أن 12.4 مليون شخص في سوريا يكافحون للعثور على ما يكفيهم من الطعام، مؤكداً أن 60% من سكان سوريا يعانون الآن من انعدام الأمن الغذائي.

Email