عامان بعد تنحي بوتفليقة ماذا حقّق الجزائريون؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

مثل الثاني من أبريل من العام 2019 يوماً مفصلياً في تاريخ الجزائر المستقلة بعد أن ظن نظام الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة أنه باقٍ لخمس سنوات جديدة في عهدة رئاسية خامسة كانت ستمتد إلى غاية العام 2024، غير أن صرخة الشعب واصطفاف الجماهير حول الحراك الشعبي الذي عرفه الجزائريون في الـ22 من فبراير من العام ذاته وإصرار هذا الشعب على رفض الفساد وعلى تأسيس جمهورية جديدة تكون فيها الحرية والعدالة والمساواة والقانون فوق الجميع أعمدتها حال دون أن يكمل رموز النظام السابق مخططه الذي كاد أن يودي بالبلاد إلى الكارثة والدخول بها لنفق مظلم.

حاول النظام حينها بكل الطرق أن يمدد لبوتفليقة ولو سنة واحدة، لكن سرعان ما اصطدمت جميع السيناريوهات بصخرة الشعب وخرج بوتفليقة يوم الثاني من أبريل 2019 ليقدم استقالته وليخرج الشعب إلى الشوارع محتفلاً بانتصاره.

وأمس دشّن الجزائريون عامهم الثالث بلا بوتفليقة ورموزه، ولكن ماذا حقق الجزائريون بعد عامين من حراكهم؟ فهل تحقق التغيير الجذري الذي نادى به الحراك؟ وما هي مطالب الجزائريين الآنية؟

المكسب الأول كان في أروقة العدالة حينها شاهد ملايين الجزائريين رموز الفساد في النظام السابق أمام القضاء، وهم الذين كانوا يستهزئون بالشعب يوماً ما من وزراء ومسؤولين «كبار» في الدولة حينها، ما خلق ارتياحاً شعبياً، ثم تسلم رئيس جديد مقاليد الحكم في البلاد في انتخابات حتى لو كان نسبة المشاركة فيها متوسطة لم تتجاوز 39.8% إلا أنها سطرت لجزائر جديدة وتعديل دستوري جديد حمل في طياته مكاسب جديدة، فضلاً عن قرار الرئيس عبد المجيد تبون تزامناً مع الذكرى الثانية للحراك بحلّ البرلمان الذي كانت تلاحقه اتهامات كبيرة متعلقة بالرشى والفساد في قوائم الترشيحات للنواب خلال انتخابهم، كما أعلن تبون عن تعديل حكومي جزئي، وإعلان العفو الرئاسي عن مجموعة من معتقلي الحراك.

وشكل وباء «كورونا» تحدياً كبيراً للمواطن الجزائري والحكومة على حد سواء، وسط انتقادات بشأن سقف الحريات وتدني القدرة الشرائية للمواطن، فضلاً عن أزمة المغتربين الذين يعانون من عدم تمكنهم للدخول إلى وطنهم منذ 17 مارس 2020 حينما قررت السلطات غلق جميع المنافذ.

وعلى مدار الأسابيع الأخيرة ساد جدل واسع بشأن جدوى العودة للمسيرات، فهناك من يعتبر أن التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها الجزائر تستدعي من الجميع التحلي بالمسؤولية، وعدم الدفع بالأوضاع عن تعقيدات قد تهدد الأمن والسلم الاجتماعيين. في حين يرى آخرون أن هناك استمراراً لبعض ممارسات النظام السابق، وهو ما دفع بالجزائريين للخروج مجدداً إلى الشوارع والإصرار على استكمال إقامة دولة ديمقراطية بمؤسسات قوية.

في الأخير ينبغي التأكيد على أن الحراك الشعبي هو بمثابة علامة فارقة في التاريخ الجزائري الحديث، وسلميته سرّ قوته، فليس سهلاً أن يجتمع ملايين الناس في مظاهرة وبقعة جغرافية ضيقة في توقيت واحد دون تسجيل ولو حادثة عنف واحدة، الجزائريون عبروا خلال العامين السابقين عن وعي سياسي غير مسبوق، وعلى المؤثرين في الحراك ألا يستدعوا صراعات قديمة لتصفيتها على حساب الحراك، الجزائريون خرجوا قبل عامين من أجل دولة ديمقراطية، يمتعون فيها بهامش واسع من الحريات إعلامياً وسياسياً، وتكون لهم كامل الحرية في اختيار ممثليهم في مؤسسات الدولة بكل شفافية ونزاهة.

Email