لبنان...«اختناق» المبادرات يعيد الاحتجاجات غداً

ت + ت - الحجم الطبيعي

غداة انكفاء حركة الشارع، بعد التصعيد في نسخة الغضب الأخيرة، ضرب المنتفضون- الرافضون موعداً جديداً لحراكهم غداً، حيث من المقرّر أن لا يكون هذا الحراك على الطرق، بل في الساحات على امتداد لبنان، على أن تُنصب الخيم مجدّداً، وذلك في ضوء المبادرات التي طُرِحت حيال الوضع الحكومي، والتي لم تؤدِّ حتى الآن إلى أيّ تقدّم يُذكر، إذْ إنّ المواقف على حالها، وكلّ فريق ما زال يتمترس وراء مطالبه ويصرّ على حصصه.

وما بين هذين الواقعين، لا يزال المشهد الداخلي على حاله: الليرة في سقوط كارثي، الأسعار في ارتفاع مخيف، البطالة تدقّ أبواب العمّال، الفقر طاول أكثر من 50% من المواطنين، البلد أعلن إفلاسه، فضائح الفساد تفجّرت، فيما لا حكومة مرتقبة، ولا أمل في الأفق. ومن هنا، ارتفع منسوب الكلام عن أنّ لبنان صار على فوهة الفوضى الشاملة، وأن لا مجال على الإطلاق للهروب من هذه الحقيقة السوداء. والحال أنّ الحديث عن انفجار اجتماعي لم يعد مجرّد إثارة لسيناريو قد يحصل أو لا يحصل، بعدما تعاقبت طلائعه واقعياً في الأيام الأخيرة.

خواء سياسي.. وغضب

وإذا كانت موجة الاحتجاجات الأخيرة قد انحسرت مع إعادة فتح الطرق الرئيسيّة في كلّ المناطق تقريباً، وانسحاب المجموعات المتظاهرة منذ أيام من نقاط الاعتصامات والتجمّعات، فإنّ ذلك لا يعني إطلاقاً أنّ الأيام القليلة المقبلة لن تكون مرشّحة لتطوّرات جديدة مماثلة، ما دامت دوّامة تلازم الانهيارات والأزمات مستمرّة ومتصاعدة وسط الخواء السياسي. وبمعنى أدقّ، فإنّ دوّامة العجز السياسي ستفضي حتماً، بحسب الإجماع الداخلي، إلى تجدّد مشهد الشارع الغاضب، وخصوصاً أنّ عودة الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة سعد الحريري إلى بيروت لم تقترن بأيّ حركة تنبئ بكسْر القطيعة مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وأنّ الجهات المعنيّة منشغلة باجتماعات لا يمكن وصفها إلا من قبيل ملء الفراغ.

وفي حين لا يزال متعذّراً تقدير المدى الذي سيبلغه فتيل الشارع، الذي قرّر أن يستمرّ في توجيه صرخته في وجه السلطة على كلّ مستوياتها، ارتفع منسوب المخاوف من دقّة الوضع الداخلي وحساسيّته. كذلك، ارتفع منسوب التحذيرات من أنّ انسداد مسار تأليف الحكومة بات يشكّل «حقْل ألغام»، لن يقلّ تفجّره عن إشعال ما يمكن أن يغدو أسوأ فوضى عرفها لبنان في تاريخه. وهذا المشهد يؤشّر، وفق تأكيد مصادر سياسيّة لـ«البيان»، إلى أنّ البلاد تسير في خطى متسارعة، إمّا نحو تسوية ما ‏أو مزيد من التأزّم، من دون سقف ولا ضوابط، خصوصاً أنّ الأمور لن تقف عند حدود تأليف حكومة، بل ستتخطّاها ربّما إلى تقاطع كلّ التناقضات الداخلية والخارجية، ومعها كلّ المغامرات والرهانات، لتصل إلى نتيجة من اثنتين: إمّا اعادة ترميم المنظومة الحاكمة برعاية دوليّة مباشرة هذه المرّة، بما يشمل إصلاحات مفروضة من الخارج، وإمّا الذهاب نحو الفوضى الشاملة.

Email