تحليل إخباري

الميليشيات.. حجر عثرة في طريق الحل الليبي

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم يتناول المسؤولون الليبيون الجدد منذ انتخابهم في الخامس من فبراير الماضي، ملفي الميليشيات والمرتزقة. البعض يرد ذلك إلى تشعب القضية، وتداخلها مع بقية القضايا الأخرى، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، ولكن أبرز ما ركّز عليه رئيس المجلس الرئاسي الجديد، باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة، هو العمل على توحيد المؤسسة العسكرية، وهو ما تناوله مع رئيس حكومة الوحدة الوطنية واللجنة العسكرية المشتركة، وقبل ذلك مع القائد العام للجيش المشير خليفة حفتر.

عصر السبت الماضي، اتجه رئيس الحكومة الليبية الجديدة عبدالحميد الدبيبة إلى منطقة بوقرين، الواقعة على بعد 118 كم جنوبي مصراتة، وعلى بعد 138 كم غربي سرت، لإقناع قادة ما تسمى غرفة عمليات سرت الجفرة، التابعة لميليشيات غربي البلاد، بفتح الطريق الساحلية بين المنطقتين الشرقية والغربية تنفيذاً لمقررات اللجنة العسكرية المشتركة (5+5)، واستباقاً لجلسة منح الثقة لحكومته بمدينة سرت، ولكنه عاد خالي الوفاض، بالرغم من تعهده بدفع كامل المستحقات المالية التي تطالب بها الميليشيات التابعة للغرفة منذ أشهر، فقد رفضت الجماعات المسلحة فتح الطريق بزعم عدم جهوزيته، واستمرار وجود الألغام فيه، ليكون ذلك كافياً لتوضيح حجم التحدي الكبير الذي تواجهه السلطات الجديدة أمام قضية السلاح والمسلحين في غربي البلاد.

إخلاء الخطوط

في أكتوبر الماضي، اتفقت اللجنة العسكرية على جملة من المبادئ التي تحولت إلى أسس للحل الميداني، ومن ذلك أن يتم قبل تشكيل الحكومة الجديدة «إخلاء جميع خطوط التماس من الوحدات العسكرية والمجموعات المسلحة بإعادتها إلى معسكراتها بالتزامن مع خروج جميع المرتزقة والمقاتلين الأجانب من الأراضي الليبية براً وبحراً وجواً في مدة أقصاها 3 أشهر من تاريخ التوقيع على وقف إطلاق النار، وتجميد العمل بالاتفاقيات العسكرية الخاصة بالتدريب في الداخل الليبي وخروج أطقم التدريب».

جاءت الحكومة من دون أن يحدث شيء من ذلك، كما أن اللجنة لم تنفذ البند الرابع من اتفاق جنيف، الذي نص قبل خمسة أشهر على أن تبدأ فوراً عملية حصر وتصنيف المجموعات والكيانات المسلحة بجميع تسمياتها على كامل التراب الليبي، سواء التي تم ضمها للدولة أو التي لم يتم ضمها.

أمراء الحرب

عندما كان يفترض الانطلاق في تنفيذ الاتفاق، كان رئيس المجلس الرئاسي المنتهية ولايته فايز السراج، يدفع بكبار أمراء الحرب إلى مسؤوليات سيادية، ويتسابق مع منافسه على النفوذ ووزير داخليته فتحي باشاغا على نيل رضا الميليشيات، إذ يدعم الأول ميليشيات طرابلس والمدن الواقعة إلى الغرب منها، فيما يدعم الثاني ميليشيات مصراتة والمدن المتحالفة معها، الأمر الذي كرس ثقافة الإفلات من العقاب واعتماد السياسيين على حاملي السلاح المنفلت لتحقيق أهدافهم، حتى إن منظمة العفو الدولية أشارت في تقرير، فبراير الماضي، إلى أنه و«بعد مضي عقد من الإطاحة بالعقيد الليبي الراحل معمر القذافي، لم تتحقق العدالة لضحايا جرائم الحرب والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك عمليات القتل غير المشروع، والاختفاء القسري، والتعذيب، والتهجير القسري، والاختطاف، التي ترتكبها الميليشيات والجماعات المسلحة. لقد قامت السلطات الليبية بترقية وإضفاء الشرعية على قادة الميليشيات المسؤولة عن الأعمال المروعة».

دور حاسم

لقد أضفت السلطات المنتهية ولايتها شرعية وهمية على الميليشيات التي تتحكم اليوم في مفاصل السلطة بطرابلس، بتوزيع تبعياتها بين المجلس الرئاسي ووزارتي الدفاع والداخلية، ولعبت الانتماءات الجهوية دوراً حاسماً في تحديد تبعية كل ميليشيا، يضاف إلى ذلك أن أخطر ما يميز الميليشيات في ليبيا، هو أن أغلبها ينشط من دون مرجعية سياسية أو حزبية يمكن الالتجاء إليها عند إقرار حلها، وأنها تمثل بالمقابل، كيانات فاعلة في الاقتصادات المحلية لمناطقها، سواء من خلال التهريب والاتجار بالبشر، أو بالضغط على الجهات الحكومية والمصرفية لخدمة مصالح أطراف بعينها متورطة في الفساد وإهدار المال العام.

ستبقى أزمة الميليشيات حجر عثرة في طريق السلطات الجديدة، وقد تؤثر فعلياً في موعد الانتخابات المحددة في 24 ديسمبر المقبل، وحلها لن يكون إلا وفق قرار دولي ملزم، وهو ما لا ترغب به السلطات الجديدة، التي اختارت لنفسها العمل من طرابلس بعد أن كان منتظراً أن تزاول مهامها من عاصمة مؤقتة منزوعة السلاح، وهي سرت، ولذلك سيكون على الليبيين مواجهة الجماعات المسلحة كمرض مزمن إلى أن يتفق المجتمع الدولي على حلها ولو أدى ذلك إلى استعمال القوة في بلد لا يزال خاضعاً للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

Email