لبنان ودوّامة الانسداد السياسي القاتل

ت + ت - الحجم الطبيعي

على وقْع الثورة المتجدّدة، التي فجّرتها الأوضاع المعيشيّة والماليّة الآخذة في التقهقر بلا هوادة على امتداد لبنان، وفي خضمّ التساجل الحكومي في لبنان، والذي لم يخرج بعد عن سياقة العبثي، شكلاً ومضموناً، شكّل دخول «حزب الله» الحلبة الحكوميّة عنصراً مستجدّاً، متصدّراً واجهة الأحداث، تعطيلاً وتشكيلاً.

وغداة إظهار الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة سعد الحريري، بشكل مباشر، دور «حزب الله» المعرقِل لولادة الحكومة، وضلوعه في عمليّة «رمي كرة المسؤوليّة» عليه، بينما «الحزب يناور لإطالة مدّة الفراغ الحكومي، بانتظار أن تبدأ إيران تفاوضها مع الإدارة الأمريكيّة الجديدة»، ارتفع منسوب الكلام عن أنّ أزمة التشكيل ستطول، وأنّ معاناة اللبنانيين ستزداد حدّة وصعوبة أكثر من السابق، فيما ضجّت المواقف بالإشارة إلى أنّ ادّعاءات التلطّي وراء صلاحيات رئيس الجمهورية أو حقوق المسيحيّين أو شكل الحكومة وتوزيع الحصص لم تعد تقنع الرأي العام، بعد انكشاف عدم صواب هذه الادّعاءات، التي باتت تخفي وراءها افتعال عقبات وعراقيل مدوْزنة، بين الفريق الرئاسي و«حزب الله»، لترحيل التشكيلة الوزاريّة لحين تبيان معالم الصفقة المرتقبة بين إيران والولايات المتحدة.


حكومة مركونة

وفي حين لا تزال الحكومة مركونةً بين متاريس ‏الشركاء في تعطيل تأليفها، وبات الجمود الآخذ في ‏التمادي حيال استحقاق تأليفها كأنّه استحقاق منسيّ موضوع على ‏رفّ المصادفات، فيما الإرباك الشامل والتخبّط في قعْر الأزمة يتصدّران المشهد الداخلي، تردّدت معلومات مفادها أنّ الفترة المقبلة ستشهد مزيداً من الضغوط على الرئيس الحريري، سواء في الشارع أو في السياسة، بهدف الوصول إلى صيغة تسوويّة، قادرة على «تنفيس الاحتقان» المتزايد في البلد ضدّ سلاح «حزب الله»، وعلى تحييد العناوين السياديّة التي بدأت تشقّ طريقها نحو الأمم المتحدة وأروقة المجتمع الدولي لتكريس حياد لبنان عن الصراعات الإقليميّة.

وبمعنى أدقّ، فإنّ «حزب الله» أخذ على عاتقه الضغط باتجاه «تطيير» صيغة الحكومة المصغّرة، لمصلحة تشكيل حكومة موسّعة تكنو - سياسيّة تتمثل فيها كلّ مكوّنات الأكثريّة الحاكمة. ومن هنا، ارتفع منسوب الكلام على أنّ لبنان باقٍ في المراوحة السلبيّة القاتلة، وفي الفراغ الحكومي مرحلة طويلة، يصعب التكهّن في مدّتها، وسيكون الشعب اللبناني أكبر ضحاياها ذلك أنّ الآفاق مسدودة، ولا صوت يعلو على صوت الشارع.


مبادرة بالواجهة

ووسط الانسداد السياسي القاتل في لبنان، لا تزال ارتدادات ما طرحه البطريرك الماروني ‏الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، الأسبوع الماضي، حول الحياد والمؤتمر الدولي من ‏أجل لبنان، طاغية على المشهد الداخلي بين مؤيّد لهذا الطرْح ‏ومعارض له، في حين لا تزال الحكومة مركونةً بين متاريس ‏الشركاء في تعطيل تأليفها. وهنا، يجدر التذكير بأنّ الراعي كان قرع جرس الإنذار، الذي يكاد يكون الأخير: «اذهبوا إلى الحوار من دون استقواء ولا شروط مسبقة، وإلا فليأتِ العالم لنجدة لبنان وإنقاذه».

ومن بوّابة ما طرحه حول الحياد والمؤتمر الدولي وتشكيل الحكومة، يستعدّ البطريرك الراعي للمرحلة الثانية، تحت عناوين عدّة، بدءاً من الاتصالات وشرْح المبادرة، داخلياً وخارجياً، ووصولاً إلى بلورة المبادرة أكثر فأكثر، ولا سيّما للمعترضين والمتوجّسين. ذلك أنّ هذه المبادرة، ووفق القراءات المتعدّدة، ليست منعزلة عما يدور في لبنان وخارجه من تحرّكات تتلاقى، في التطلّعات والأهداف، على ضرورة الإنقاذ قبل «السقْطة» الأخيرة، والكفيلة، في حال حصولها، بأن تزيل لبنان عن الخريطة الدوليّة، بحسب ما حذّر مسؤولون دوليّون، ولا سيّما منهم وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان في موقفه قبل أشهر.

Email