لبنان بين الحلّ الداخلي «المستحيل».. والخارجيّ «الممنوع»

لبتان 8

ت + ت - الحجم الطبيعي

مع التفشيل المتعمّد لكلّ المبادرات والوساطات في فكّ شيفرة التعطيل الحكومي في لبنان، ومع إمعان الشّركاء في تأليف هذه الحكومة في سدّ كلّ أبواب ونوافذ الحلول والمخارج، فإن ليس في الأفق ما يبشّر بتحرّك المشهد الداخلي خارج هذا الانسداد، ذلك أنّ الافتراق العميق بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلّف سعد الحريري، وقرارهما بقطع لغة الكلام والحوار المباشر بينهما، يشكّل، في القراءات المتعدّدة، المانع الأساس لوجود أو نجاح أيّة قوّة دفْع محليّة أو خارجيّة لتحريك كلّ ما يحيط بملفّ تأليف الحكومة.

ووسط انعدام أيّ أفق عملي وواضح لفتح المسار المعطّل والمقفل لتأليف الحكومة الجديدة في لبنان، لا تزال كفّة استبعاد توقّع أيّ تطوّر جدّي إيجابي، لجهة ردْم الهوّة الواسعة بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري، راجحةً بشكل شبه كامل. وذلك، بعد مرور أكثر من 130 يوماً على صدور مرسوم تكليف الرئيس الحريري تأليف حكومة جديدة، وتحديداً منذ 22 أكتوبر من العام الفائت، اصطُلح على وصفها بـ«حكومة مهمّة» من أخصائيّين، أي غير حزبيّين، تحظى بقبول المجتمع الدولي، من أجل توفير المساعدات الضرورية لمنع انهيار البلاد، وبعد أن تجاوزت الأزمات المالية والنقدية والخدماتية كلّ الخطوط الحمْر.

وفي المحصّلة، لم ترقَ كلّ المحاولات حتى الآن إلى مستوى حجم الأزمة، ولا تزال الحكومة «محبوسة» في غياهب التجاذبات أمّا أولياء الحلّ والربط السياسي، فيعقدون الأمل على وليّ الأمر الخارجي، فيما هذا الخارج يعيد ترتيب أوراقه ويعيد رسم خرائط قوّته.

انتظار

وعلى المقلب الآخر من المشهد، وغداة بدْء الشهر الخامس من الأزمة الحكوميّة، انهالت على لبنان - الدولة، خلال الأيام الماضية، مواقف خارجيّة من كلّ حدب وصوب، محذّرة ومنبّهة، في مساعٍ واضحة لفكّ أسْر الحكومة بعد أشهر من التعطيل والصراعات، في حين لا يزال ملفّ هذه الأزمة يتنقّل بين عواصم القرار، ولا تزال دائرة الدعم الدولي للمبادرة الفرنسيّة تتّسع، مع ما تعنيه من أهميّة الاستقرار السياسي والأمني اللبناني في حسابات العواصم الكبرى. أمّا في محصّلته داخلياً، فتعطيل الحلول، وإبقاء مبادرات الخارج أسيرة السجال ‏الرئاسي المستغرِق في حرب البيانات والبيانات المضادّة.

ووسط حال انتظار التطوّرات الإقليميّة والدوليّة، ولا سيّما منها مسار تطوّر العلاقات الأمريكيّة - الإيرانيّة، فإنّ الوقائع المتسارعة، بين أطراف الصدام السياسي والحكومي، باتت تعزّز المخاوف من بروز تطوّرات تتجاوز البُعد السياسي والشخصي للأزمة إلى البُعد الطائفي، ووضعت الأزمة اللبنانيّة على طريق التدويل مجدّداً، وذلك وسط ارتفاع منسوب الكلام عن أنّ التطوّرات تؤكّد أنّ حلّ الأزمة دوليّ - إقليميّ، وليس لبنانيّاً داخلياً.

الانقسام

وفي لحظة الانتظار اللبنانيّة هذه، وأمام الحل الداخلي المستحيل والحلول الخارجية الممنوعة، يستمرّ الانقسام حول تدويل الأزمة، ويشتدّ داخلياً ويتّسع على إيقاع التطوّرات الخارجيّة. ولعلّ اللافت للانتباه، في هذا السياق، ما تردّد عن تحرّك داخلي بعيد من الأضواء في اتجاه الخارج، سعت من خلاله جهات سياسيّة رفيعة المستوى إلى تحرّك ضاغط في اتجاه لبنان، لكسْر حالة الانسداد في الأفق الحكومي، إلّا أنّ هذه الحركة، وفق ما يتردّد، لم تحقّق الغاية المرجوّة منها، ليس لأنّ الخارج المعني بمبادرات الحلول في لبنان يرفض الاستجابة لجهود الحلّ، بل لأنّ ثمّة قراراً لدى بعض القادة في لبنان بقطع كلّ الطرق المؤدية إلى الحلول، وإحباط المبادرة الفرنسيّة. وعليه، اختصر مصدر سياسي بارز لـ«البيان» هذا الموضوع بالقول إنّ الحكومة ستأتي إمّا من تعب، أو من الحكمة، أو من الصدفة.

Email