تراجع التصنيف الائتماني لتونس والتداعيات الوخيمة

ت + ت - الحجم الطبيعي

جاء إعلان وكالة التصنيف الائتماني «موديز»، عن تخفيض ترقيم إصدار العملة الأجنبية والعملة المحلية لتونس من ب2 إلى ب3 مع الإبقاء على آفاق سلبية، لينذر بإمكانية أن تتسم المرحلة المقبلة بمزيد تخفيض الترقيم السيادي للبلاد إلى - ج أأ1- وهو ما يعني تصنيفها في موقع عالي المخاطر بمعنى عدم القدرة على الإيفاء بالالتزامات المالية.

وأبرزت الوكالة أن توجهها إلى ترقيم -ب3- يعكس ضعف الحوكمة في تونس في مواجهة تفاقم التحديات الاجتماعية، ما يحد من هامش مناورة الحكومة على مستوى قيامها بإصلاح الجباية والقطاع العام، بما من شأنه أن يضمن استقرار قدرتها على التصرف في الدين العام.

وقال مدير عام التمويل والدفعات الخارجية بالبنك المركزي عبد الكريم الأسود: إن الترقيم السيادي السلبي لتونس له تأثير سلبي على توجه وزارة المالية، للحصول على ضمان قرض بمليار دولار من إدارة الرئيس الأمريكي جو بادين، وإصدار صكوك بالسوق الدولية في وقت لاحق، كما سينتج عنه تكلفة أكثر بالنسبة للتداين الخارجي.

وأثار التصنيف الجديد جدلاً واسعاً في الأوساط التونسي، حيث أعرب الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والاتحاد العام التونسي للشغل عن انشغالهما لانحدار الترقيم والتصنيف السيادي للبلاد، وأشارا في بيان مشترك إلى ما قد يترتّب عنه من تداعيات وخيمة، من بينها عدم قدرة تونس على الإيفاء بالتزاماتها المالية، معتبرين أنّ الأزمة الراهنة قد أسهمت في هذا التخفيض، الذي ستكون كلفته عالية جداً على الاقتصاد الوطني وعلى التونسيين بصفة عامة.

كما نبها إلى أنّ الوضع الاقتصادي والاجتماعي والمالي الراهن بلغ مرحلة خطيرة جداً وزاد في تفاقم المصاعب التي تواجهها كلّ الفئات والقطاعات من إجراء سواء أصحاب مؤسّسات وحرفيين ومهنيين لا يزالون تحت وطأة انعكاسات وباء «كورونا» الذي عمّق تدهور أوضاعهم، وأثّر على مستوى عيشهم وعملهم.

وفي الأثناء، بيّن عضو المكتب التنفيذي للاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية سليم غربال أن 40% من المؤسسات الاقتصادية الصغرى أقفلت، و40% أخرى مهددة بالإفلاس.

ويشير المراقبون إلى أن تونس تعيش أزمة اقتصادية غير مسبوقة منذ استقلالها في العام 1956، محذرين من إمكانية دخولها مرحلة الإفلاس، خصوصاً أن العام الجاري يشهد عجزاً في ميزانية الدولة بنحو 3.2 مليارات دولار، إضافة إلى ديون خارجية مستحقة الدفع تصل إلى نحو 6 مليارات دولار. 

وأوضح أمين عام التيار الديمقراطي والنائب عن الكتلة الديمقراطية، غازي الشواشي أنه يجب مصارحة الشعب بأن البلاد اليوم تتجه نحو الهاوية ونحو الإفلاس، وفق تقديره، لافتاً إلى أن الحل الوحيد للخروج من هذه الأزمة هو أن يتم قبل عقد اتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي، بالتوافق مع الأطراف الاجتماعية المحلية والبرلمان. 

ويفسر الخبراء تخفيض الترقيم الائتماني الجديد، بوجود شك كبير في إمكانية مواصلة تونس تسديد ديونها وإمكانية دخولها الأسواق الدولية أصبحت صعبة، وفق ما أكده الخبير الاقتصادي عزالدين سعيدان، الذي اعتبر أن الوضعية، التي بلغتها البلاد كانت نتيجة الخيارات السياسية الخاطئة، ولكن كانت أيضاً نتيجة التصرف في الشأن الاقتصادي والمالي. 

وأضاف سعيدان، إنه حتى إن تمكنت تونس من دخول الأسواق المالية الدولية فإنها قد لا تحصل على المبالغ المطلوبة أو أن الكلفة ستكون عالية جداً ولا تتحملها ميزانية تونس.

ومن جانبه، أبرز الوزير السابق المكلف بالإصلاحات الكبرى توفيق الراجحي أنّ وكالة «موديز» لم يعد لديها ثقة في الحوكمة الاقتصادية لتونس، وتعتبر أنّها لن تكون قادرة في المستقبل على القيام بالإصلاحات الضرورية، لافتاً إلى أن «هذا التصنيف يأتي من إحدى أكبر وكالات الترقيم السيادي في العالم ويمثّل موقف المؤسسات الدولية وتقييمهم للوضع الاقتصادي في تونس، بما فيهم صندوق النقد الدولي والبنك الدولي».

وأكد الراجحي أن تونس اليوم لم تعد على شفا الهاوية، بل هي في الهاوية، لا سيما بعد ما خلّفته جائحة «كورونا»من أضرار على الاقتصاد التونسي، ولا بدّ لها من قفزة نوعية، حسب تقديره.

وحذر عدد من المختصين من أن تونس قد تتجه نحو السيناريو اليوناني، لكن الرئيس السابق للجمعية المهنية التونسية للبنوك والمؤسسات المالية أحمد كرم، رأى أن تونس تعيش اليوم سيناريو اقتصادياً واجتماعياً أخطر من السيناريو اليوناني، نظراً إلى أن اليونان قام بالتضحيات اللازمة، وسانده أيضاً الاتحاد الأوروبي بضخ نحو 87 مليار اورو، ولكن تونس تواجه مصيرها وحدها رغم بعض المساعدات من الدول الأوروبية ومن صندوق النقد الدولي.

وتحتاج تونس خلال العام 2021 إلى تعبئة قروض جديدة من الخارج بالعملة الأجنبية بـ 7.2 مليارات دولار، بما في ذلك نحو 5 مليارات دولار من القروض الأجنبية و2.2 مليار دولار من السوق المحلية.

وكان النمو الاقتصادي في تونس خلال سنة 2020 قد تراجع بشكل غير مسبوق إلى 8.8- في المائة، وفق ما كشفه المعهد الوطني للإحصاء.

Email