تحليل إخباري

الانتخابات.. هل تنهي الانقسام الفلسطيني وتشق «فتح»؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

تعكس أرقام الناخبين المسجلين للاقتراع في الانتخابات الفلسطينية 2021 بشقيها التشريعي والرئاسي في مايو ويوليو المقبلين، رغبة الفلسطينيين في المشاركة بالعملية الانتخابية وبقوة لإحداث تغيير جذري في النظام السياسي وفي الطبقة السياسية في غزة والضفة، وتغيير الواقع الصعب الذي يعيشونه لأسباب مختلفة، حيث لم يعد استمرار المشهد السياسي والإنساني والاقتصادي مقبولاً لأحد.

وأغلقت لجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية، الأربعاء الماضي، باب تسجيل الناخبين للمشاركة في الانتخابات المرتقبة. واللافت أن عدد المسجلين بلغ 2.622 مليون شخص، من أصحاب حق الاقتراع البالغ عددهم 2.809 مليون مواطن فلسطيني، أي ما نسبته 93.3 بالمئة، أي ما يقارب ضعف العدد الإجمالي للناخبين المسجلين في آخر انتخابات والتي جرت في العام 2006 والذين بلغ عددهم مليوناً و340 ألف ناخب.

حركتا فتح وحماس أعلنتا الأسبوع قبل الماضي أنهما توصلتا مع باقي الفصائل الفلسطينية خلال اجتماعات عقدت في القاهرة التي ترعى جهود المصالحة الفلسطينية، إلى اتفاق على «آليات» إجراء أول انتخابات منذ 15 عاماً، وذلك بعد أن وقع الرئيس الفلسطيني محمود عباس في منتصف يناير الماضي مرسوماً لإجراء الانتخابات، في خطوة اعتبرها محللون وسيلة لتكريس الشرعية، قبل أيام من تنصيب الرئيس الأمريكي جو بايدن.

وكانت آخر انتخابات تشريعية فلسطينية - الثانية منذ تأسيس السلطة الفلسطينية بناء على اتفاق أوسلو- جرت في العام 2006 وفازت فيها حركة حماس، واختلفت وقتها مع الرئيس الفلسطيني على برنامج الحكومة، ما أدى إلى انقلاب عسكري نفذته الحركة ومكنها من الاستيلاء على قطاع غزة بالقوة إثر اشتباكات دامية، وهو ما أدى إلى انقسام سياسي وجغرافي بين شقي الوطن ما زال مستمراً حتى اليوم. ونتج عنه أيضاً وضع الأراضي الفلسطينية تحت نظامين سياسيين مختلفين. فالسلطة الفلسطينية «فتح» برئاسة محمود عباس تحكم في الضفة الغربية المحتلة، بينما تحكم حركة حماس قطاع غزة المحاصر.

اهتمام الناخبين

جملة من التحديات تواجهها الانتخابات الفلسطينية المنتظرة، إلا أن وضع حركة فتح هو موضع اهتمام الناخبين الفلسطينيين، ليس ذلك وحسب بل مثار اهتمام عربي وإقليمي ودولي، باعتبارها قائدة المسيرة منذ عام 1968، والعمود الفقري لمنظمة التحرير الفلسطينية، كما أنها من أسست السلطة الوطنية وقادتها منذ عام 1994 إلى اليوم.

يقول الكاتب والأكاديمي الفلسطيني د. إبراهيم براش إنه و«على الرغم من تعدد القضايا الخلافية الكبرى حول الانتخابات والمصالحة في الوقت الراهن، ومع تلمسنا لأهمية التوافق الوطني والبرنامج السياسي المشترك، فإن القضية مثار الاهتمام الوطني وحتى العربي والإقليمي تدور حول حركة فتح وما يجري داخلها بشأن الانتخابات، وقليل هو الجدل والنقاش حول قائمة (حماس) أو قوائم المستقلين، وحول مشاركة أو عدم مشاركة الفصائل في الانتخابات، فالكل يناقش ويترقب ما يجري داخل (فتح) تحديداً، وهذا يدلل على أنها ما زالت محل رهان غالبية الشعب الفلسطيني كما يدلل على المكانة المتميزة للحركة عربياً وإقليمياً».

ومع وجود بعض التقارير التي تحدثت عن إمكانية أن تتشارك «فتح» مع «حماس» بقائمة انتخابية مشتركة، كثر الحديث عن قيام عدد من أعضاء الحركة وكوادرها، من بينهم أسرى ومسؤولون سواء حاليون أو سابقون، بتشكيل قوائم موازية لخوض الانتخابات، لأسباب مختلفة.

بالنسبة للقائمة المشتركة بين «فتح» و«حماس»، على الرغم من أن هذا السيناريو طرح من قبل قيادات متنفذة في الحركتين ويعتبره البعض طوق النجاة للسلطة الفلسطينية وحركة حماس، إلا أن الوصول لتوافق بشأن ذلك لا يبدو واقعياً خصوصاً مع وجود معارضة شديدة لهذا الطرح داخل الحركتين وحتى في الأوساط الشعبية.

تعدد قوائم «فتح»

وبالعودة إلى تعدّد قوائم «فتح» الذي من الممكن أن يتسبب في تشتّت الأصوات، نقلت تقارير صحافية عن أن عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، الدكتور ناصر القدوة وهو ابن شقيقة الرئيس الراحل ياسر عرفات، والذي شغل مناصب رفيعة في السلطة الفلسطينية، منها منصب وزير الخارجية، يعدّ لتشكيل قائمة لخوض الانتخابات من خارج الحركة، وإنه قطع شوطاً طويلاً في ذلك، وسبب إقدامه على ذلك عدم رضاه عن طريقة إدارة قيادة الحركة للسلطة الفلسطينية وللحركة على السواء. وتواصلت «البيان» مع د. ناصر القدوة عبر الهاتف لمعرفة آخر التطورات بهذا الشأن، إلا أنه اعتذر عن إدلاء أي تصريحات صحافية في هذه الفترة، رافضاً نفي أو تأكيد صحة التقارير الإخبارية السابقة.

كذلك ورغم التأكيد المتكرر من قبل أوساط عدة في «فتح» على مساعيهم لرأب الصدع وتشكيل قائمة موحدة تعبر عن قوة حركة فتح، إلا أن فشل هذا الخيار سيحتم اللجوء لتشكيل قوائم انتخابية منفصلة، وهو الخيار الذي على ما يبدو أنه تم مباشرة العمل عليه.

ديمتري دلياني المتحدث باسم التيار الإصلاحي الذي يقوده محمد دحلان، أعلن في تصريحات صحافية نشرت أخيراً أنه يجري العمل على تشكيل قائمة منفصلة للتيار بعيداً من "فتح"، وذلك بعد رفضها انضمام التيار إليها. وقال دلياني إن التيار سيكون العمود الفقري للقائمة، وسيضم شخصيات وطنية، مضيفاً أن الحوارات متواصلة مع جميع الأطراف في "فتح".

لكن يبدو أن تشكيل «فتح» قائمة واحدة تمر بمخاض عسير بسبب الخلافات والإقصاءات في الحركة.

القيادي السابق في فتح نبيل عمرو تحدث عن صعوبة تشكيل الحركة قائمة واحدة بسبب «ظهور اختلافات وصراعات وإقصاءات في الحركة». وأكد في تصريحات لـ«البيان» أنه لم يتخذ شخصياً قراراً بشأن تشكيل قائمة خارج إطار القائمة الرئيسية للحركة من عدمه. وفي حال تشكيل قائمة منفصلة وإمكانية عقد تحالفات مع قوائم أخرى، قال نبيل عمرو إنه حتى الآن لم يتم بحث التفاصيل وإنه ما زالت هناك مشاورات بين جميع أطراف «فتح»، وبناء على نتيجتها سيتم اتخاذ القرارات.

كذلك لا يستبعد أن يُشكل عضو اللجنة المركزية في الحركة مروان البرغوثي، المعتقل منذ 19 عاماً لدى إسرائيل، قائمة أخرى في حال لم تستجب قيادة "فتح" لمطالبه. وقال عضو المجلس الثوري للحركة، حاتم عبد القادر المحسوب على تيار البرغوثي، إن الأخير سيترشح للرئاسة «بمطلب شعبي وفتحاوي»، مضيفاً «أما على مستوى التشريعي، فإن البرغوثي لن يشكّل كتلة منافسة، لكن إذا رأى تيار مروان البرغوثي أن الكتلة الرسمية لا تلبي طموحات حركة فتح، فعندها قد يتم تشكيل قائمة بعيداً عن قائمة الحركة الرسمية.

شخصية مقربة من البرغوثي، قالت حسب ما نقل موقع قناة «الشرق» إن الأخير «متمسك بمعايير الاختيار، وإنه لن يدعم قائمة الحركة، إلا إذا جرى الالتزام التام بها». ولم تستبعد الشخصية أن يدعم البرغوثي كتلة من خارج الحركة، خصوصاً تلك التي يعكف ناصر القدوة على تشكيلها، إذا لم يتم الالتزام بمعايير الاختيار.

الانتخابات ووحدة «فتح»

ويبدو أنه إذا سارت الأمور على هذا النحو في «فتح»، ودخلت الانتخابات بقوائم متعددة، الظاهر منها حتى الآن 4 قوائم، فإن سيناريو 2006 الذي أفضى إلى فوز «حماس» سيكون على الطاولة، وفي هذه الحالة قد تنجح الانتخابات نسبياً في إنهاء الانقسام الفلسطيني، لكن هل سيكون ذلك على حساب وحدة «فتح»؟.

د. نبيل عمرو في تصريحاته لـ«البيان»، قال إنه لا يعتقد أن ذلك سيؤدي إلى خسارة «فتح» في الانتخابات، مؤكداً أن تعدد القوائم في الحركة لا يعني تشتيت الأصوات، وقال: في النهاية كل من سيفوز من قوائم الحركة في حال جرت الانتخابات بوجود أكثر من قائمة، ستكون جميعها لصالح «فتح» حتى وإن كانت من تيارات مختلفة، مؤكداً أن الحركة دائماً يوجد فيها اختلافات ولكن ذلك لا يعني أن الانتخابات ستقسم الحركة أو تنهيها.

Email