12 ركيزة لتحقيق نظام صحي مستدام

ت + ت - الحجم الطبيعي

مع استمرار العواصف التي نشهدها حولنا من كوارث طبيعية وجوائح مرضية بين الفينة والأخرى، يتأكد لنا يوماً بعد آخر أن الصحة ركيزة مهمة في حياتنا، يجب أن نوليها عناية مضاعفة ونحرص على استدامتها، ولا سيما مع توجه العالم نحو الاستدامة خياراً مثالياً للحد من هدر الموارد الطبيعية والحفاظ عليها وقتاً أطول، فقد بات من الضروري أن تدخل الاستدامة المجال الطبي لتحسين حياة الناس.. وهذا ما يؤكده مسؤولون وأطباء لـ«البيان»، باعتبار أن الصحة أساس التنمية البشرية، مشددين أن صحة الأفراد بغض النظر عن وضعهم الاجتماعي، أولوية الأولويات، لأن الأشخاص الأصحاء لهم أهمية حاسمة في بقاء المجتمعات، ولذلك، ليس من المستغرب أن تكون أربعة من بين الأهداف الإنمائية الثمانية للألفية تتصل اتصالاً مباشراً بالصحة.

وأشاروا إلى أن البحوث الطبية أظهرت أن المسائل الصحية التي كانت توضع في وقت من الأوقات في نهاية قائمة الأولويات، أضحت تؤدي اليوم دوراً أكبر بكثير في صحتنا ورفاهيتنا بشكل عام، وشددوا على ضرورة أن يرتكز النظام الصحي المستدام على 12 ركيزة رئيسة وهي: الوقاية، واتباع نمط حياة صحي، وتنظيم حملات مجانية للتوعية بالأمراض، والكشف المبكر عن الأمراض، وتوفير تأمين صحي، والطب البديل، وممارسة التمارين الرياضية، وتأهيل الكوادر الطبية والمهن المساعدة، ودعم القطاع الخاص وتعزيز التعاون معه، وتشجيعه على الاستثمار في التخصصات النادرة، والجودة في تقديم الرعاية الصحية، وتعزيز وعي المرضى.

 

وقال عوض الكتبي المدير العام لهيئة الصحة في دبي: إن الهيئة تعمل على دعم القطاع الخاص ليصل إلى مصاف القطاع الخاص العالمي في جودة تقديم الخدمات الصحية عبر تعزيز الاستثمارات الصحية والبنية التحتية القوية من أجل استدامة القطاع الصحي في الإمارة.

وأوضح أن هناك بعض التخصصات تعد نادرة ونسعى إلى توجيه وتشجيع ودعم القطاع الصحي للاستثمار في هذه التخصصات، مشيراً إلى أن الهيئة تشجع القطاع الخاص على تعزيز والتركيز على بعض التخصصات مثل تخصصات العظام بأنواعها وأمراض السرطانات بأنواعها، والأمراض المعدية إضافة إلى الأمراض غير المعدية، وإعادة التأهيل، والتمريض.

وأكد ضرورة أن يركز القطاع الخاص على استشراف هذه الأمراض والكشف المبكر عنها لتفادي الإصابة بها أو علاجها قبل أن تتفاقم حالة المريض.

تأهيل وتدريب

وأضاف الكتبي: إن الهيئة توجه القطاع الخاص للاستثمار والتركيز على تدريب وتأهيل المهنيين والفنيين في المجالات الصحية، مشيراً إلى أن هناك نقصاً حاداً ومنافسة شديدة في هذه التخصصات على المستوى العالمي. وعن الدعم الذي تقدمه المؤسسة للقطاع الخاص بهدف استدامة القطاع الصحي، أوضح الكتبي أن المؤسسة اتخذت 3 خطوات رئيسة وهي توفير برامج تدريبية فتم تأهيل 120 طبيباً في القطاع الخاص وسيتم افتتاح 20 تخصصاً لـ«أطباء الإقامة»، لتدريب الأطباء الخريجين الجدد الحاصلين على الامتياز، وتسجيل الأطباء في التخصصات التي يرغبون فيها وتوفير وتسهيل حصولهم على الاعتماد من المركز المتخصص وذلك لجميع الأطباء سواء المواطنين أو الخليجيين أو المقيمين عبر عدة بوردات عالمية بالتعاون مع المستشفيات. وأضاف إن من ضمن الدعم أيضاً استحداث بعض النظم والتشريعات التي تنظم هذا العمل وتتمثل الخطوة الثالثة في توفير وظائف للخريجين سواء مواطنين أو مقيمين.

نمو وتعافٍ

وأفاد الكتبي بأن هناك عدة تخصصات تعاني نقصاً شديداً على المستوى العالمي وهي التمريض على مستوى المهن المساندة أما في التخصصات الرئيسة فهي التخدير والعناية المركزة وطب الطوارئ. وأكد أن القطاع الخاص دخل مرحلة نمو تدريجي بعد التعافي من جائحة كورونا، وعمل على تطوير منشآته الطبية، وتوسيع نطاق تخصصاتها، الأمر الذي ساعد على توفير خدمات تنافسية متميزة لأفراد المجتمع، إلى جانب زيادة قدرات القطاع الصحي، ودوره في تنشيط حركة السياحة الصحية في إمارة دبي، مشيراً إلى أن أكبر دليل تدشين مركز علاج النوبات القلبية في مستشفى الزهراء بدبي الأسبوع الجاري، وهو يعد الأول من نوعه على مستوى الدولة والشرق الأوسط.

من ناحيته، يرى البروفيسور حميد بن حرمل الشامسي رئيس جمعية الإمارات للأورام أن نظام الرعاية الصحية المستدام قادر على تقديم خدمات رعاية صحية عالية الجودة لسكانه مع القدرة أيضاً على إدارة التكاليف والحفاظ على قوة عاملة ماهرة ودعم البحث والابتكار. وعدد الدكتور الشامسي 7 ركائز يستند إليها نظام الرعاية الصحية المستدام وهي سهولة الوصول للخدمة، والقدرة على تحمل التكاليف، والجودة، والوقاية، والابتكار، والكوادر، والبنية التحتية. وقال: يضمن نظام الرعاية الصحية المستدام حصول الجميع على خدمات رعاية صحية جيدة وبأسعار معقولة، بغض النظر عن وضعهم الاجتماعي والاقتصادي، لتكون تكلفة الرعاية الصحية في متناول كل فرد، عبر توفير التأمين الصحي لهم.

وأضاف: من الركائز المهمة التي يجب أن يستند عليها نظام الرعاية الصحية المستدام هي الوقاية من الأمراض وتعزيز أنماط الحياة الصحية، وذلك عبر توفير التعليم والموارد من أجل الحياة الصحية والاستثمار في البحث لتطوير استراتيجيات وقائية فعالة، وأن يدعم البحث والتطوير لإنشاء تقنيات طبية وعلاجات جديدة تعمل على تحسين نتائج المرضى وتقليل تكاليف الرعاية الصحية. وأشار إلى أن نظام الرعاية الصحية المستدام يتطلب تأهيل وتدريب الكوادر الطبية والتمريضية وغيرهم من المتخصصين في الرعاية الصحية وتسليحهم بأحدث المهارات والتقنيات الطبية، مع توفير بنية تحتية وتكنولوجيا حديثة وقوية.

الاستدامة في التجميل

وتقول الدكتورة آلاء عارف استشارية الأمراض الجلدية والتجميل غير الجراحي في المملكة العربية السعودية: إن الاستدامة في قطاع التجميل ما زالت تصنف أنها ثقافة تبحث عن رياح التغيير، وسط ضبابية المشهد المجتمعي نحو هذا القطاع، بسبب عدم وجود معايير عالمية للصناعة.

وأضافت: إن الوضع الحالي لا يركز على الاستدامة مبدأ أساسياً لمنتجات مصنوعة من مكونات غير مستزرعة، أو معبأة بمواد غير قابلة لإعادة التدوير أو غير قابلة للتحلل الحيوي.

وأوضحت الدكتورة آلاء أن الاستدامة في قطاع التجميل ما زالت ثقافة غير رائجة نوعاً ما إلا في أوساط محددة تدرك تماماً ما يعنيه إنتاج تركيبات آمنة من ضمن آليات الاستدامة في هذا القطاع، إذ يجب ألا تكون المنتجات عالية الأداء فحسب، ولكن أيضاً آمنة بما فيه الكفاية للاستخدام على المدى الطويل ومن دون آثار جانبية، فلا يتعرض المستهلك للضرر على المدى الطويل. وأشارت إلى أن العديد من العلامات التجارية تستخدم مواد كيميائية ضارة في تركيباتها لخفض تكلفة الإنتاج، ويمكن أن تكون هذه المواد الكيميائية ضارة لبشرتنا وجسمنا، لذلك يجب رفع الوعي باستخدام منتجات لا تحتوي على أي جسيمات نانوية أو مواد كيميائية. وفي ما يتعلق بأهمية توفير الشفافة للمستهلكين تقول الدكتورة آلاء: في كثير من الأحيان تقدم بعض الشركات التجميلية ادعاءات مبالغاً فيها وغير مدعومة بأدلة عن تركيباتها وعملياتها لخداع المستهلكين للاعتقاد بأنها صديقة للبيئة، ولذا يجب تعزيز وعي المستهلك لتمكينه من اتخاذ قرارات مستنيرة في المنتجات التي يختار استخدامها.

جانب مظلم

وعن المصادر الأخلاقية للاستدامة في قطاع التجميل تشير الدكتورة منى رجب أخصائية الأمراض الجلدية في مركز تجميل بدبي، إلى أنه يكمن الخطر في صناعة التجميل إلى حد كبير في مكونات بعض المنتجات، التي يتم استخدام البدائل الكيميائية فيها ليتم بيعها بأسعار مخفضة عبر تقليل تكاليف الإنتاج، وقالت: من أجل ضمان طول العمر والاستدامة لهذه الصناعة، من الضرورة النظر إلى فائدة كل من مورد من المكونات والعلامة التجارية، ومراعاة استخدام مواد صديقة للبيئة وتتلاءم مع البشرة والصحة عموماً، وذلك عبر التأكد من خلوها من البارابين، والفثالات، والسلفات، أو البتروكيماويات.

منح دراسية

وأشارت الدكتورة رشا قلج عضو مجلس الشيوخ المصري الرئيسة التنفيذية لمؤسسة ميرك الدولية الخيرية إلى أنها أسهمت في تعزيز قدرات الرعاية الصحية، وتحسين مستوى رعاية المرضى بإفريقيا، ودعم تعليم الفتيات وتمكين المرأة في البلدان الإفريقية، كما سعت لتمكين المرأة الإفريقية في المجال الثقافي والبحث العلمي والرعاية الصحية، وذلك عبر برامج التطوير والتنمية الخاصة بالمؤسسة.

واستطاعت الدكتورة قلج أن تحصل على لقب الإفريقية الأكثر تأثيراً في العالم المرة الرابعة على التوالي، بفضل جهودها الثمينة المبذولة لاستدامة القارة الإفريقية إذ قدمت عبر المؤسسة أكثر من 1470 منحة دراسية لأطباء من 50 دولة في 32 تخصصاً حرجاً وغير مخدوم مثل الأورام والسكري والوقاية من أمراض القلب والأوعية الدموية والغدد الصماء والخصوبة وعلم الأجنة والعناية الإنجابية والعناية التنفسية والعناية المركزة والحادة ورعاية الأطفال حديثي الولادة وطوارئ الأطفال والجراحة المتقدمة وعلم الأمراض المعدية والطب الباطني وطب العيون والطب النفسي والعناية المركزة وعلاج الألم وغيرها.

 

إنقاص الوزن بطرائق مستدامة بوابة لحياة صحية

أكد الدكتور أحمد حسن استشاري الجراحة العامة والمناظير وجراحة السمنة في مستشفى كينغز كوليدج ضرورة إرشاد المرضى إلى تقنيات إنقاص الوزن ولا سيما من دون جراحة بغرض التخفيف من التحديات الصحية المرتبطة بالبدانة. وقال: إن دراسات حديثة أظهرت ارتفاع نسبة الذين يعانون إما من الوزن المفرط وإما البدانة في الإمارات بسبب عوامل مثل العادات الغذائية غير الصحية، ونمط الحياة المتسم بقلة النشاط البدني، نتيجة استخدام السيارة. وأضاف: إن زيادة الوزن والسمنة تؤديان إلى ارتفاع خطر الإصابة بمشكلات صحية أخرى ذات صلة مثل السكري وأمراض القلب والجلطة، موضحاً أن المستشفى وقع شراكة مع شركة WLSA لمساعدة المرضى على إنقاص وزنهم بطرائق مستدامة عبر إجراء مجموعة من التغييرات في نمط الحياة، والتدخلات الطبية، والدعم النفسي، الأمر الذي بدوره يحقق أثراً إيجابياً في المجتمع عبر معالجة العوامل التي تتسبب بزيادة في معدلات البدانة، ومساعدة أفراد المجتمع على الاستمتاع بحياة صحية ومستدامة عبر تقديم حلول متطورة ومبتكرة.

بدوره، أكد الدكتور حيدر سعيد اليوسف المدير التنفيذي لمجموعة الفطيم للرعاية الصحية، أهمية طب الأسرة والطبيب الذكي أو المشورة الإلكترونية لتقديم النصائح الطبية التي تساعد الناس على ممارسة نظام حياة صحي، وتعزيز واستدامة الصحة العامة لأفراد المجتمع. وأشار إلى أن المجموعة حصلت على جائزة أفضل مزود رعاية صحية أولية لعام 2021 في قارة آسيا، لتطبيقها أعلى المعايير العالمية في رعاية المرضى باستخدام أحدث التقنيات الطبية، كما حصدت جائزة الابتكار في مجال الرعاية الصحية لعام 2021 في قارة آسيا عن مشروع الطبيب الذكي الذي يعد ثورة في عالم التكنولوجيا الطبية ونموذجاً جديداً للرعاية الصحية من بعد وباستخدام التقنيات الرقمية وأنظمة البيانات المتقدمة لتوفير تشخيص سريع ودقيق لمرضاها في جميع العيادات.

Email