وعلى الرغم من التحذيرات التي تطلقها الجهات الأمنية في الدولة لمنع تنامي هذا النوع من النصب والاحتيال، إلا أن بعض الأفراد يبادرون باللجوء إلى المشعوذين لطلب العلاج من العقم، ومضاعفة الأموال، والتفريق، والطلاق، وزيادة محبة الزوجة، وفتح أبواب الرزق، وتسريع الإنجاب، مما يسهل من عمل الدجالين في إيقاعهم ضحايا للنصب والاستغلال.

ناعمة الشامسي المستشارة الأسرية والزوجية والنفسية تحذر من لجوء الأزواج إلى المشعوذين الذين يوهمون ضحاياهم بأن لديهم القدرة على حل المشكلات الأسرية، وتقول: «استقبلت الكثير من المشكلات والخلافات الأسرية التي تتمحور حول لجوء أحد طرفي العلاقة الزوجية إلى المشعوذين والسحرة مستغلين ضعف الوازع الديني لديهم».
وتوضح أن دوافع بعض الأزواج الذكور وراء اللجوء إلى المشعوذين هي زيادة محبة الزوجة أو فتح أبواب الرزق أو تسريع الإنجاب، بالإضافة إلى حل المشكلات الزوجية التي يمر بها الزوجان، مشددة على عدم اللجوء إلى مروجي أعمال السحر والشعوذة، لأن هدفهم هو المتاجرة بمشكلات وهموم الأسر تحت غطاء الشريعة والدين.
مشعوذة ذات سوابق
ويستغرب المحامي والمستشار القانوني سالم بن ساحوه لجوء الأفراد إلى الدجالين والمشعوذين لإبعاد شبح العنوسة، مستشهداً بإحدى القضايا القانونية، ويقول:
«من أبرز القضايا التي شهدتها في ساحات المحاكم الجزائية والمدنية، هي لأم أنفقت مبالغ طائلة، ولجأت إلى بيع منزلها ومصوغاتها والاقتراض لتخلص ابنتها من السحر، مدعية أن «جنياً من أكابر قومه» يرغب في الزواج من ابنتها، وهو من يعوق زواجها.
حيث لجأت إلى «المطوعة» التي «أخذت الكثير من المال مقابل إنهاء جميع مشكلات العائلة»، إضافة إلى أنها أخذت مصوغات ذهبية تعود للفتاة ووالدتها».
ويتابع: «قالت الأم أن المطوعة طلبت مرة أخرى مبالغ باهظة، كي تخلص ابنتها من المشكلة الأكبر ألا وهي «الجني العاشق».
مشيرة إلى أنها لم تكن تملك هذا المبلغ، ولجأت إلى بيع منزلها كي تحصل على المال، لكنها لم تتمكن من ذلك إذ إن المنزل منحة ولا تستطيع التصرف فيه بالبيع، لتقف في طريقها سيدة ادعت حبها لها ولابنتها، وأنها ستقرضها المال المطلوب مقابل وصل أمانة، مؤكدة لها أنها لن تطالب به إلا بعد 20 عاماً، بالفعل كتبت الأم وصل الأمانة وقدمته للسيدة، لتكمل المطوعة طريقها في فك السحر».
ويستطرد أن الأم تسلمت في غضون أيام من توقيع وصل الأمانة إعلاناً من المحكمة تطالبها فيه تلك بأداء مبلغ الإيصال.
حيث أدركت حينها أنها وقعت ضحية لعملية نصب متقنة، فسارعت وابنتها بتقديم بلاغ إلى النيابة العامة، التي سمحت بفتح البلاغ بعد أن قدمتا نسخة من الرسائل والحوارات التي تمت بين الطرفين حول الموضوع، وبالتحريات تبين أن المشكو ضدها لها سوابق مشابهة، والغريب أنها أنكرت معرفتها بهما رغم وجود قضية تنفيذية بينهما.
خلافات
ويسرد الشيخ عبدالله موسى أخصائي رئيسي وعظ وإرشاد في دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بدبي ومستشار بجمعية النهضة النسائية بدبي وخبير التحكيم الأسري بمحاكم دبي، قصة من الواقع تروي حكاية زوجين كانا يعيشان في جو من الألفة والتفاهم إلى أن بدأت الخلافات تدب بينهما، فلجآ إلى مركز الاستشارات الأسرية بجمعية النهضة بدبي.
فيما استعانت الزوجة بأحد المشعوذين مقابل مبلغ من المال، بعد أن نصحتها به إحدى صديقاتها، فبدأ يسألها بعض الأسئلة مثل هل تشعرين بالصداع، وهل ترين كوابيس أثناء النوم وما شابه، ثم أوهمها بأن الخادمة صنعت سحراً أسود للتفريق بينها وبين زوجها ولإلحاق الأذى بهما.
ويؤكد موسى أن المشعوذ منح الخلافات بين الزوجين سبباً للتصاعد، حين أوهمهما بأن هناك سحراً أسود يتربص بحياتهما وينخر كيانهما تمهيداً للقضاء عليهما، فتذكرت الزوجة التي ملأت رأسها الوساوس، بعض السلوكيات التي صدرت من خادمتها مثل رش الماء على أثاث البيت، فطلب منها المشعوذ التخلص من أثاث المنزل بالكامل.
حيث قام الزوجان بأخذ الأثاث إلى الصحراء وإحراقه أملاً في فك العقد وعودة السكينة إلى بيتهما، غير أن الدنيا ضاقت بهما، وعجزا عن إيجاد الحلول للخلاص من هذه الحالة.
ويضيف الشيخ عبدالله موسى إن الزوج لجأ في نهاية المطاف إلى مركز الاستشارات الأسرية في «نسائية دبي»، راجياً من الشيخ عبدالله موسى، أن يأتي معه إلى المنزل لإقناع الزوجة بالعدول عن قرارها بالانفصال، نتيجة إصابتها بنوبات هيستيرية جراء هذه الحالة التي كادت تقودها إلى الجنون.
لبى الشيخ موسى استغاثة الزوج حين أجرى اتصالاً بالمشعوذ مدعياً أنه يعاني بعض المشكلات في العمل، ليسأله المشعوذ الأسئلة نفسها، ثم أخبره أن مديره صنع له سحراً أسود.
وطلب مبلغاً من المال ليعالجه ويفك له هذا السحر ويتمكن من العودة إلى حياته الطبيعية بعد أن يخلصه من المشكلات التي تؤرقه، حينها اكتشفت الزوجة أنها وقعت ضحية، في فخ النصب والاحتيال الذي أصابها بمرض الوهم والخوف النفسي، وكاد أن يفرق بينها وبين زوجها.
فجوة
ويؤكد الشيخ موسى أن الفجوة بين الزوجين أخذت تضيق شيئاً فشيئاً بعد أن تحدث إليهما ووفق بين قلبيهما مرة أخرى، وتراجعت الزوجة عن طلب الانفصال، وعادت العلاقة إلى مسارها الطبيعي ودفئها الحقيقي بعيداً عن شبح الانفصال.
ويؤكد المحامي محمد العوامي المنصوري أن ما يسمح بتنامي هذه الظاهرة في المجتمعات هو انتشار وسائل التواصل الاجتماعي واتخاذ هذه الفئة لمنصاتها وسيلة ترويجية دون قيود أو عوائق، ويروي حادثة حول زوج حاول الاستيلاء على أموال زوجته بالاستعانة بمشعوذ جلبه من خارج الدولة.
حكاية
وتروي الزوجة من خلال التحقيقات تفاصيل هذه الحكاية بقولها «إنها متزوجة من المتهم ولها منه طفلان، وقد اعتاد التعدي عليها بالضرب والتهديد، وكانت تشاهده يرش السيارة بالماء، وأثناء ذلك كانت تتلقى رسائل من شخص يدعي بأنه يقوم بفك السحر ويجلب المحبة وهو المشعوذ ذاته.
حيث تجاهلته حتى قام بإرسال رسالة إلكترونية ذكر فيها معلومات صحيحة عنها وعن عائلتها، مدعياً أنها في ورطة وأن بحوزته صوراً لها ولأبنائها ولجميع أفراد أسرتها، وهو يريد مساعدتها لوجه الله»، وقد تمت إحالة الزوج والدجال إلى المحاكمة بعد استكمال التحقيقات لينالا جزاء ما اقترفاه.
القانون بالمرصاد
وتؤكد المستشارة القانونية زينب الحمادي المدير العام لجمعية الإمارات للمحامين والقانونيين فرع أبوظبي، حرص المشرع الإماراتي على التصدي لهذا السلوك الشاذ عن المجتمع وقيم الدين الحنيف.
فجاء المرسوم بقانون اتحادي رقم 7 لسنة 2016 بصور حديثة لم يسبق أن شملتها المادة 316. ويتضمن مرسوم القانون خمس صور بالفقرتين 1 و2 للقائم بهذه الأفعال، سواء أكانت بمقابل أم من دون - ومنها القول أو الفعل المخالف للشريعة الإسلامية إذا قصد به التأثير في بدن الغير أو قلبه أو عقله أو إرادته مباشرة أو غير مباشرة حقيقة أو تخيلاً.
والتمويه على أعين الناس أو السيطرة على حواسهم أو أفئدتهم بأي وسيلة لحملهم على رؤية الشيء على خلاف الحقيقة بقصد استغلالهم أو التأثير في معتقداتهم أو عقولهم، أو ادعاء علم الغيب أو معرفة الأسرار أو الإخبار عما في الضمير بأي وسيلة كانت بقصد استغلال الناس.
أدوات للشعوذة
ويقول المستشار القانوني معتز أحمد فانوس: «يعمد السحرة والمشعوذون إلى تهريب مواد وأدوات سحر وشعوذة عبر منافذ الدولة، تتضمن الطلاسم، والقصاصات الورقية.
والكتب المستخدمة في تنفيذ هذه الأعمال، وعلب معدنية لحفظ التمائم وأوراق معدنية، ومسابح، وجلود حيوانية، وسكاكين، تدخل في الشعوذة، وكتب لتعليم السحر وفحم حجري، وخواتم، ومحار، وأوراق نباتية، ومساحيق، ولفافات قطن تدخل في السحر، وإبر تدخل في التعاويذ، وخيوط، ومواد داكنة».
تأثير ضار
أما المحامية نادية عبد الرزاق فتصف الظاهرة بأنها سلبية ليس لتأثيرها الضار فحسب، وتقول: «إن قانون الجرائم والعقوبات الإماراتي أورد تعريفاً واضحاً ومحدداً لمفهومي السحر والشعوذة والجرائم المرتبطة بهما، حيث يعاقب القانون بالحبس والغرامة التي لا تقل عن 50 ألف درهم، كل من ارتكب بقصد استغلال الغير أو الإضرار به، عن طريق أعمال المخادعة أو الشعوذة أو الدجل، سواء أكان ذلك حقيقة أم خداعاً، بمقابل أم من دون مقابل».
وتوضح أن القانون يعاقب بالحبس والغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من استعان بآخر في أعمال المخادعة أو الشعوذة أو الدجل المنصوص عليها في المادة السابقة بقصد التأثير في بدن الغير أو قلبه أو عقله أو إرادته أو جلب أو استورد أو أدخل إلى الدولة أو حاز أو أحرز أو تصرف بأي نوع من أنواع التصرف كتباً أو طلاسم أو مواد أو أدوات مخصصة لأعمال المخادعة أو الشعوذة أو الدجل، وروج بأي وسيلة من الوسائل لأي عمل من أعمال المخادعة أو الشعوذة.
أكد مستشارون أسريون وقانونيون ورجال دين، أن السحر والشعوذة لا يرقيان إلى مستوى الظاهرة في الدولة، داعين في الوقت ذاته إلى تجنب ممارسي هذه الأفعال، نظراً لتأثيرهم في حياة الأسر، بالإضافة إلى الأضرار الكبيرة الناجمة عن التعامل معهم، فضلاً عن تجريم القانون في الدولة للشعوذة ومستخدميها، كما طالبوا بضرورة رفع الوعي لدى كل أفراد المجتمع حول مخاطر السحر والشعوذة والتعريف بعقوبتهما وحكمهما في الإسلام. دبي - نورا الأمير ومرفت عبدالحميد
