خبراء لـ« البيان»: التمسك بالتقاليد يعزز الوقاية ويحمي الأبناء

مشاركون يقدمون آليات لمواجهة تأثير التكنولوجيا في الهوية

ت + ت - الحجم الطبيعي
أكد مشاركون في منتدى دبي للمستقبل أن غزو التكنولوجيا لحياتنا أدى إلى تراجع في العلاقات الاجتماعية حتى داخل الأسرة الواحدة، وامتد الأمر إلى غياب التربية الأسرية السليمة القائمة على التوجيهات والمتابعة المستمرة حيث بات الجميع رهن الهواتف ووسائل الاتصال، وغاب التمسك ببعض العادات والتقاليد التي يتوارثها الأجيال وهو الأمر الذي يستدعي إيجاد حلول بديلة لهذا الأمر تفادياً لفقدان هوية الشعوب.
 
 
وقال الدكتور اريك اوفرلاند رئيس مجلس الإدارة - الاتحاد العالمي للدراسات المستقبلية WFSF إن التكنولوجيا في مفهومها تعتمد على الآلة أكثر من الاعتماد على الإنسان وهو الأمر الذي يؤدي إلى هشاشة العلاقات الاجتماعية بمختلف أنواعها، ومنها ضعف الدور الذي يقوم به الوالدان في التربية والتنشئة .
 
وكذلك المؤسسات التربوية والتعليمية والتي تتضمن السلوكيات وزرع العادات والتقاليد في نفوس الأطفال منذ الصغر لذلك نرى الأجيال الحالية والقادمة لديها مفاهيم ومقاييس مختلفة في الحياة بشكل عام.
 
ونوه بضرورة إيجاد سبل ومناهج واضحة للتغلب على تحديات انتشار التكنولوجيا في حياتنا حتى لا نفقد يوماً بعد يوم هويتنا، وهذا الأمر ينطبق على كافة الشعوب إلا أن وتيرته أعلى في الدول الغربية التي تسير بشكل متسارع نحو الاستعانة بالتكنولوجيا في كافة مناحي الحياة.
 
مشروع
 
وقالت الدكتورة مارا دي بيراردو مدير الاتصالات في مشروع الألفية الإيطالية: إن عنوان أي أمة هويتها وتقاليدها، ولا يمكن لأي تأثيرات سواء تكنولوجية أو غيرها أن تحاول فرض ثقافة وتقاليد جديدة، وإحلالها بأخرى مخالفة، ومهما كان تأثير التكنولوجيا في العادات والاحتكاك مع ثقافات أخرى فلا بد من وضع أطر عريضة تحافظ على هويتها الخاصة، حتى لو كان هناك تأثر بنسبة قليلة دون التأثير في الأصول.
 
وأضافت إن التكنولوجيا الحديثة هيمنت بشكل كبير على حياتنا اليومية، وتدخل في كل تفاصيلها حتى وصل الحال إلى الاستغناء عن بعض الأدوات التقليدية والاستعاضة عنها بأدوات أخرى إلكترونية أو تقنية، ولا أحد ينكر مدى أهمية هذه الثورة التكنولوجية في تسهيل حياتنا اليومية، مع الأخذ بعين الاعتبار السلبيات التي لحقت بالمجتمع ومنها تفكك أو تقلص الكثير من عوامل التواصل الفعلي والجسدي والروحي بين الأفراد.
 
وعلى الرغم من أن التكنولوجيا قد فتحت من جانب آخر ووسعت مجالات من خلال خلق مواقع التواصل الاجتماعي، وتوفير طرق سهلة للاتصال، وإن كانت قضت على غالبية العادات والتقاليد المتعارف عليها في المجتمع، إلا أن ذلك لا يعني بأي شكل من الأشكال التسليم لها للقضاء على العادات والتقاليد التي تشكل نسيج المجتمع وهويته، بل لا بد من مواجهتها بوسائل وأدوات تحافظ عليها.
 
انفتاح
 
وأكدت تيا دانيلوف مديرة مركز «فورسايت سنتر» أن الانفتاح غير المدروس على التكنولوجيا يهدد الموروثات المجتمعية والأمر يرتبط بدور الأسرة والمجتمع والمؤسسات التربوية في القيام بذلك والإصرار عليه رغم أي تطور يحدث، مشيرة إلى أن التكنولوجيا لديها مقومات تحفيزية في حياتنا منها إنشاء مجموعة «واتساب» العائلية التي يمكن من خلالها التواصل على مدار اليوم مع أفراد الأسرة والتغلب على ضيق الوقت.
 
ولفتت إلى أن هناك تحديات كثيرة تواجه الحياة الاجتماعية مقابل الحياة التكنولوجية المتطورة التي تعتمد على تعامل الإنسان مع الآخر افتراضياً وليس بطريقة ملموسة كما في السابق لذلك يجب القيام بتوعية الأسر والمعلمين للقيام بجهود مضاعفة لترسيخ العادات والتقاليد في أبنائنا.
 
ومن جهته قال نوبرت كولوس المدير الشريك في شركة المستقبل لمحو الأمية: نعيش تطوراً هائلاً في مجال التكنولوجيا، وقد أثرت هذه التكنولوجيا في حياتنا بشكل سلبي وإيجابي.
 
فالنتيجة أنها أثرت في نمط الحياة التي نعيشها وفي عاداتنا وتقاليدنا وأصبحنا نعتمد عليها بشكل كبير، وما زال الإنسان في تطور بشكل مستمر، ولن تقف التكنولوجيا عند حد معين أو مجال واحد، وإنما ما زلنا نسمع يومياً عن اكتشافات واختراعات توصل إليها العلماء، لافتاً إلى أن انتشار التكنولوجيا في جميع المناطق واستخدامها في جميع الأوقات، يجب أن ترافقه العديد من المحاذير وخصوصاً تلك المتعلقة بالعادات والتقاليد.
 
وأشار إلى أنه يجب أن يكون هناك تشخيص سليم حول إشكالية التكنولوجيا وتأثيرها في العادات والتقاليد، ولا بد من تتبع تأثيراتها التي تتفاقم أكثر، ودعم مراكز البحث من أجل الاهتمام بإنجاز دراسات معمقة نظراً لقلتها، ووضع الحلول التي تكفل المحافظة على العادات والتقاليد، وعدم رمي النتائج على كاهل الأقدار، كما يحدث في الغالب.
 
وأكد الدكتور محمد فراس النائب المستشار في كلية الإعلام في الجامعة الأمريكية في الإمارات أنه منذ بدأ الخوض في ظاهرة العولمة وتجلياتها، صاحبته هواجس جدلية الأصالة والمعاصرة، وما طرحتها من معضلات فكرية عبرت عنها المفارقة بين أن نكون غرباء عن الأهل والمكان أو أن نكون بعيدين عن الأهل والزمان.
 
مبيناً أن ثنائيات التراث والحداثة، والعالمي والمحلي، والأنا والآخر، تطل برأسها دوماً عند الحديث عن القيم والعادات والتقاليد التي لطالما تغنى بها أجدادنا، ولتتحول أحياناً تلك الثنائيات في لحظة من الجدل إلى أضداد تذهب بنا بعيداً عن أصل القضية وهي الموازنة ما بين الماضي والحاضر والمستقبل.
 
وقال إن هناك الكثير من الأدباء والمفكرين توافقوا حول أن الأصالة الحقيقية لا تكمن في قيم وأخلاق وتقاليد جديدة، وإنما في رؤية جديدة لهذه القيم والأخلاق والتقاليد تأخذ باعتبارها تجديد الخطاب ومقاربة الصواب والابتعاد عن كل ما يعتريه الضباب ولعل الجانب المظلم من التكنولوجيا يتقدم بقوة جانبها المضيء، وقد يكون أكبر المتضررين من هذا الجانب المظلم هو القيم والعادات والتقاليد.
 
حتمية الانفتاح
 
من جهته، أكد نايف الضنحاني متخصص في القانون أن الانفتاح على العالم لا مفر منه، ولكن علينا العمل على الحد من سلبيات ذلك، ومنها انتشار الجرائم وانحراف الشباب إلى المسار الخاطئ، فيما يحاول الكثير من الآباء عزل أبنائهم عن البيئة الخارجية اعتقاداً منهم أن هذا هو العلاج الفعال للحد من تأثير الانفتاح العالمي الهائل وثورة التقنية الحديثة.
 
كما أن التطور والتقدم التكنولوجي يلازمه بالضرورة تراجع العجز الحضاري، ولكن ذلك لم يحدث! بل إن الحياة الاجتماعية تبدلت، حيث ساهم التقدم التكنولوجي في ضرب العلاقات الاجتماعية، وإنتاج قيم واتجاهات وأفكار لا تتفق عليها البنية المعرفية الإسلامية، ما أدى إلى ظهور سلوكيات غير سوية متأثرين بها من الغرب.
 
عادات أصيلة
 
أكد نايف الضنحاني أن الاستعداد للمرحلة المقبلة بحاجة ماسة إلى توحيد القدرات وتقديرها والاجتهاد كل في مجاله واختصاصه، ومشاركة أصحاب المستويات المعرفية وبالأخص فئة الشباب منهم، حتى تكون المحفز الأنسب والأقوى لفتح وإحداث آفاق حداثية تجديدية بما يتناسب ويتوافق مع فكرنا الإسلامي.
 
ذلك أن الشعوب الساكنة الجامدة ستتأخر عن ركب التطور الحضاري وستعتمد على الغير في كل شيء؛ بل ستتجلى احتمالية تطبيق السلبيات أكثر من الإيجابيات، ولذا يجب الحفاظ على الهوية الوطنية والعادات والتقاليد الأصيلة حتى لا ينحرف الأبناء عن الجادة وخير مثال على ذلك اللبس الحاصل في الفضاءات الرقمية والخلط بين مصطلحات عدة ومنها الانفتاح الحضاري والانفلات الأخلاقي وكيف أنهما يرتبطان ضمن منظور ضيق لدى البعض.
 
Email