قصيدة عصماء قائلها فارس حكيم وبطلها قائد عادل

ت + ت - الحجم الطبيعي

قصيدة جديدة بعد القصيدة العصماء، التي رثى فيها سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، أخاه المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي أدى الأمانة على أكمل وجه، وقد نشرها سموه في يوم الجمعة، يوم الرحيل الحزين على قلوب الإماراتيين وكل العرب، وجميع المخلصين في العالم، الذين يقدرون أعمال المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رحمه الله، وإنجازاته العظيمة طيلة حياته، وقد ابتدأ تلك القصيدة بأرثى بيت قرأته في العصر الحديث، حين يرثي قائد عظيم قائداً عظيماً، إذ قال موجهاً نعيه للشعب الإماراتي، أولاً:

أنعي إلى الشَّعبْ منْ بإسمهْ يعيشْ الشَّعبْ

ثم وجه نعيه للعالم، بل للكون كله ينعى أخاه وعضيده:

وأنـعـي إلــى الـكـونْ عـضـدي ريِّــسْ الـدولِهْ

ولو أردت أن أتوقف هنا لأطلت في الحديث عن هذا البيت، الذي يكفي عن قصيدة كاملة، ففيه معان كثيرة وحزن وفخر وحب وامتنان لم أجده في أي مرثية قرأتها.

وفي نفس القصيدة، وقبل اجتماع المجلس الأعلى، سمى وبايع صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، أخاه سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله، رئيساً للدولة، التي كان يقودها بمهارة وإتقان واقتدار، نيابة عن أخيه طيلة سنوات مرضه، رحمه الله، فقال سموه:

لــي لــهْ نـبـايعْ عـلىَ الـطَّاعَهْ بـصدقْ وحـبْ

وطــاعَــةْ ولــــيْ الأمــــرْ بــالـحَـقْ مـكـفـولِهْ

فكان هذا البيت بامتياز بيت البيعة، الذي بايع الشعب كله بعد نشره، وعلى هذا فأول القصيدة أعجب بيت في الرثاء، وآخر بيت هو أفخم بيت، الذي هو مبايعة كاملة، وانتقال سلمي هادئ وراق للرئاسة، كما حصل في وقت انتقال الرئاسة يوم وفاة والدنا المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه.

ولم يكتف الشاعر الكبير، الذي لم نر مثله فروسية وأدباً وشجاعة وحزماً، ورؤية سيـــدي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله، فبعد مرور أقل من عشرة أيام على نشر تلك القصيدة العصماء، أرسل إلى الكون قصيدة جديدة عصماء، تهنئة لرئيس الدولة، وفيها شرح واف لسيرة البطل أخيه رئيس الدولة، وقد بين فيها أموراً كثيرة، أراد أن يعرفها شعب دولة الإمارات والعالم الذي سيتعامل مع الرئاسة الجديدة، فقال وكأنه يكمل بيت المبايعة في القصيدة السابقة:

الـيومْ وقـتْ الـتَّهاني لـلشريفْ الشَّهمْ

وراعــي الـبطولاتْ بـوخالدْ غـدا الـرِّبَّانْ

فبعد مرور أيام العزاء جاء يوم التهاني والتبريكات لأخيه الشريف في نسبه وخلقه وإنجازاته، والشهم في أفعاله وأقواله ومواقفه التي يسطرها التاريخ ساعة بعد ساعة، فهو صاحب البطولات المشهورة، وهو قائد السفينة الخبير المحنك، والربّان الذي خاض التجارب الكبرى، التي جعلته قائداً عظيماً مثل أجداده العظماء.

ثم يكمل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، بناء أعمدة القصيدة، وكأنه يوضح كيفية مبايعة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان من الشعب والشيوخ بثقة كبيرة، وبهذا الحماس، حيث كان انتقال الحكم سلساً متقناً سهلاً، وليس كما نراه في بعض الدول التي تكثر فيها المصائب والمحن في مثل هذه الظروف، حتى في بعض الدول التي تتفاخر بأنها دول متقدمة، فقال:

والـحكمْ لأهـلِهْ يـجيهمْ ماسعوْا للحكمْ

جـاهـمْ بـطـاعَهْ وهـذا مـحمدْ الـبرهانْ

ومن بيت شعر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، نعلم أن الحكم يسعى إلى أهله، الذين يصلحون له وكما قدره الله، وهذا صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، في تسميته رئيساً للدولة، ومبايعته من الشعب، دليل وبرهان على الأمر.

ثم انتقل سموه إلى الحديث عن صفات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، رئيس الدولة، حفظه الله، قبل توليه الرئاسة، والتي هيأته ليكون حقيقاً بها، فقال:

ومنْ قادْ خيلْ المعالي والمطايا العِسمْ

لابَــدْ أنِّــهْ لــهْ الـدُّولِـهْ ولــهْ الـسِّلطانْ

وهذا البيت الثالث العجيب، الذي صور فيه المعالي بأنها كالخيول المنيعة الصعبة في قيادها، أو المطايا العسم السريعة، التي هي عسماء اليدين، وهي صفة للناقة صاحبة السبق، ولا تتأتى قيادتها لأي شخص حتى يملك مهارات قيادية كبرى، فكان هو القائد، الذي صقلته التجارب والأحداث، وتربى على حمل المناصب الكبيرة.

ثم يعلن سموه أنه أخوه ونائبه وعضيده في وقت الحرب ووقت السلم، وفي ساحات السياسة الدولية، وفي ثرى تراب ميادين المنافسة العالمية، أو ميادين الحروب، كما كان أسلافهما يداً واحدة على أعدائهم، ومتعاونين على إسعاد شعبهم، فهو يكمل المسيرة المباركة من التعاون والتآزر لما فيه خير الدولة ورفعتها، فقال:

أنــا أخــوهْ الـموالي كـانْ حـربْ وسـلمْ

إنْ كـانْ سـاحَةْ سياسِهْ أوْ ثَرىَ ميدانْ

ثم ينتقل إلى ذكر النسب بين الأسرتين الحاكمتين في إمارة أبوظبي وإمارة دبي، اللتين يربطهما تاريخ واحد، فهما من أسسا الاتحاد في فبراير عام 1968. والأسرتان الكريمتان الشريفتان يعود نسبهما إلى قبيلة بني ياس بن عامر، القبيلة الهوازنية الشهيرة بالخيل والحكمة والبطولات التاريخية، وإذا ذكرت بني ياس في الشعر القديم أو كتب المؤرخين لا بد أن يمدحوا بأنهم الفرسان الأبطال، وكذلك آل نهيان هم أخوال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، فوالد والدته هو الشيخ حمدان بن زايد الأول حاكم أبوظبي (1912-1922)، وهو عم والدنا المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، فقال سموه:

أنـــا وهــوهْ إلـتـقينا بـيـنْ خــالْ وعَــمْ

قــرابـةٍ فــي سـلالِـهْ تـحـكمْ الأوطــانْ

ثم يذكر شاعرنا الكبير بتسلسل الأبطال الفرسان في سلالة آل نهيان وآل مكتوم، فكلما غاب فارس قام آخر مكانه يكمل مسيرة المعالي، وذلك منذ قرون، وهذه الأرض المباركة، الإمارات، تعودت على إنجاب الأبطال من الأسرتين الكريمتين، ويشهد على ذلك التاريخ، ولا ينكره أحد، فقال:

إنْ غـابْ نـجمْ بـسمانا خَـذْ مكانِهْ نجمْ

فــي دارْ مـتـعوِّدِهْ أنْ تـنـجِبْ الـفرسانْ

أهلِ الرِّياسِهْ لهمْ فوقْ البسيطَهْ حجمْ

وأهـلِ الـسِّياسِهْ مـنْ الـمكتوم ونهيان

إنجازات

ويعود سموه ليعدد صفات «بوخالد»، الربان الشهم، ووجه دعوة للمؤرخ كاتب الأمجاد أن يأخذ من نور هذه الأرض وإنجازات الحكومة سهماً ونصيباً منها، ويجعل من اسم صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان عنواناً لكتاب العلا والمناقب العظيمة، فشماله ترجم الأعداء وتفنيهم، ويمينه للعطاء والكرم ومساعدة المحتاج وبناء الدولة وسعادة شعبه، فقال:

يـاكاتب الـمجد خذ لك من ضيانا سهم

ولـك في محمد من أسمه للعلا عنوان

عـلى الـعدا مـن شماله للمعادي رجم

أمــــا يـمـيـنه فـلـلـمعطا ولـلـسـفطان

أمجاد

ويزيد سموه شارحاً الأبيات السابقة، بأن جيش الحزم يقف وراءه في كل وقت، إن أراد الحزم، وهو منصور في كل ما يفعل، وهذي رايات النصر والأمجاد زاهية ألوانها، تبهر كل من يراها، فيعرف أن هذا هو القائد المنصور بأمر الله وعونه، لأنه في كل ما يفعله يريد نصرة الملهوف الضعيف، وحماية الأوطان، ولهذا يبتعد عنه الشياطين أهل الظلم والجور، يقول رعاه الله:

كـتـايب الـحـزم خـلـفه إن يـريد الـحزم

ورايــات الأمـجـاد فـوقـه زاهـيات ألـوان

لــنـا مــقـدر بــأمـر الله عــطـاه الـعـزم

ومـن يـنصر الله فـعنه يـقصر الـشيطان

ثم يكمل سموه فيقول:

مـاتعرف الـظلم نـفسه ولا يحب الظلم

عـلـى الـعداله قـياسه مـثلما الـميزان

ويـقـدر الـعلم يـنشر فـي الـبلاد الـعلم

ويبذل على العلم ويشجع هل القيفان

لا يزال يشيد سموه بصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، ويعدد صفاته التي عرفها الناس فيه، وأحبوه من أجلها، وهو من حب الله، ومن أهمها العدل وبغض الظلم، فهو رحيم بالناس، عادل، كأنه ميزان في العدل. ويذكرني ببيت لأبي طالب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، يذكر العدل والميزان، فيقول:

بميزانِ عدلٍ ما يعولُ شعيرةً

ووزَّانِ صدقٍ وَزْنُه غيرُ عائِلِ

وهو مع عدله محب للعلم والعلماء ويشجع الشعراء ويحتفي بهم، وكل هذي الصفات الكريمة التي فيه، والإنجازات العظيمة تجعلنا، كما يقول سموه بقصيدته:

نـخـتـاره الــيـوم ريـــس دولــتـه ونـتـم

عـلـى الـوفـا وثـابـته بـعـهودنا الأركــان

ودولـة الإمارات في عهده تعيش بحلم

والله يــديـم الـسـرور وشـعـبنا فـرحـان

آمين آمين آمين

Email