مواجهة مع الهدر.. الأمن المائي أولوية باستراتيجيات ملحّة

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

بات الحفاظ على الأمن المائي من أكثر الأولويات الوطنية أهمية، ونظراً للافتقار إلى مصادر المياه العذبة، وارتفاع معدل استهلاك الفرد في الإمارات من المياه الذي يعد من الأعلى عالمياً وهو 500 لتر يومياً، أصبح من الملحّ إيجاد حلول مستدامة لتحلية المياه، من أجل تلبية الاحتياجات المائية على المدى الطويل. وتعمل الجهات المعنية على المستويين الاتحادي والمحلي على تنفيذ استراتيجيات متقدمة لتحقيق ذلك.

تمتلك الإمارات موارد مائية طبيعية محدودة، لذا تستخدم التحلية الحرارية باعتبارها التكنولوجيا السائدة لجعل مياه البحر صالحة للشرب، تأتي معظم مياه الشرب (42 % من إجمالي الاحتياجات المائية) من خلال 70 محطة رئيسة لتحلية مياه البحر التي تمثل نحو 14 في المئة من إجمالي إنتاج المياه المحلاة في العالم، ويتم إمداد المياه في الدولة من 3 مصادر رئيسية هي الجوفية والمحلاة والمعالجة.

وتشكل المياه الجوفية 51% من الإمدادات ومعظمها يستخدم للأغراض الزراعية، والمياه المحلاة وتشكل 37% من الإمدادات ومعظمها يستخدم للشرب والقضايا المنزلية، والمياه المعالجة وتشكل 12%من الإمدادات وتستخدم لسقي المناطق الخضراء، وتمتلك الدولة 70 محطة تحلية للمياه تمثل حوالي 14% من مجموع الطاقة الإنتاجية العالمية للتحلية، فتنتج هذه المحطات 1.1 مليار متر مكعب من الماء ويعتبر معدل استهلاك الفرد في الإمارات من أعلى معدلات الاستهلاك عالمياً وهو 500 لتر يومياً.

ونظراً للافتقار إلى مصادر المياه العذبة، فمن المهم لدولة الإمارات إيجاد حل مستدام لتحلية المياه من أجل تلبية الاحتياجات المائية على المدى الطويل وتعمل الجهات المعنية على المستوى الاتحادي والمحلي على تنفيذ استراتيجية الحفاظ على الموارد الطبيعية لاسيما المياه الجوفية والحيلولة دون هدرها وتطبيق تشريعات وقوانين بهدف الاستدامة.

وتهدف استراتيجية الأمن المائي 2036 التي أطلقتها الدولة إلى تقليل 19% من الطلب على المياه للأغراض المنزلية وتقليل 18% من الطلب على المياه للأغراض الزراعية والحد من الهدر للمياه بنسبة 10%.

وذكر الدكتور رياض الدباغ الخبير البيئي والمائي أن شح المياه والسحب المفرط من مخزون المياه الجوفية أدى في بعض المناطق إلى جفاف بعض آبار المياه الجوفية وتملح أو ارتفاع نسبة الملوحة في البعض الآخر وتداخلها مع مياه البحر وإلى انخفاض منسوب سطح المياه فيها، مشيراً إلى ارتفاع كلفة الإنتاج والنقل إضافة إلى مشكلة تلوث مياه البحر.

وقال محمد محمد صالح، المدير العام للاتحاد للماء والكهرباء: إن التحديات التي تواجه عملية تحلية مياه البحر أبرزها ظاهرة المد الأحمر وظهور الطحالب، لافتاً إلى أنه تم هيكلة خطط العمل الخاصة بـ«الاتحاد للماء والكهرباء»، وفق استراتيجية الأمن المائي والهادفة إلى ضمان استدامة واستمرارية الوصول إلى المياه خلال مختلف الظروف، والاعتماد على تقنيات حديثة على المستوى الداخلي للتعامل مع مختلف الظواهر مثل تعديل نظم الحقن الكيميائي والمعالجة الابتدائية في تشغيل محطات التحلية، من أجل فصل أكبر كمية ممكنة من الشوائب قبل وصولها إلى مآخذ المياه في محطات الإنتاج.

حلول

وأكد خبراء أن من أبرز أسباب بروز أزمة المياه، زيادة الاستهلاك بسبب زيادة السكان وتوسع الصناعة والزراعة والصيانة غير الكفء للمنشآت المائية وضعف التعاون بين الدول المشتركة في المصادر وبالتالي تمثل تحلية مياه البحر أحد أبرز الخيارات المطروحة حالياً لحل أزمة المياه في دول مجلس التعاون؛ حيث تحتل دول المجلس المركز الأول عالمياً في إنتاج مياه البحر المحلاة بإنتاج يصل إلى 11.99 مليون متر مكعب يومياً، ويوجد فيها نحو 60 % من مشاريع التحلية في العالم، ولفتوا إلى أن معظم دول العالم التي تعاني من الشح تلجأ إلى إنشاء محطات لتحلية مياه البحر، خصوصاً في المنطقة العربية التي تعاني بشدة من نقص المياه.

 

الاستدامة

أكد محمد محمد صالح أن القيادة الرشيدة في الدولة تدرك أهمية الحفاظ على المياه، حيث وضعت الاستراتيجية الوطنية للأمن المائي وتضمنت برامج توعية الأفراد وترسيخ ثقافة الترشيد، وتنتج الدولة 30 مليار جالون سنوياً.

وأشار لوجود خطة متكاملة لتلبية الاحتياجات الحالية والمستقبلية، لتحقيق الاستراتيجية الوطنية للأمن المائي، وتتنوع المشروعات ومضاعفة إنتاج المياه المحلاة، من خلال عدد من محطات التحلية الحديثة، على رأسها محطة أم القيوين الجديدة لتحلية المياه سعة 150 مليون جالون يومياً.

وأفاد أن السعة التركيبية للمياه الجوفية في المناطق التي تخدمها الاتحاد للماء والكهرباء تبلغ نحو 36 مليون جالون يومياً، وهي تعتبر كميات احتياطية يتم الاحتفاظ بها كمخزون استراتيجي في الحالات الطارئة، والاستراتيجية التي تتبناها الاتحاد للماء والكهرباء للحفاظ على المياه الجوفية، تتمثل في توفير المياه المحلاة وتوصيلها للفئات التي يميل استهلاكها للمياه الجوفية.

تحلية المياه

وأوضح أن شركة الاتحاد للماء والكهرباء تنتج نحو 20 مليار جالون سنوياً، في حين تبلغ كمية المياه الموزعة بعد إضافة موارد المياه الأخرى بجانب المياه المحلاة ذاتياً إلى نحو 30 مليار جالون سنوياً، لافتاً إلى أن تكلفة إنتاج الجالون الواحد من المياه تبلغ 1.16 درهم، بما يناهز نحو 255 درهماً للمتر المكعب الواحد، كما أن عدد محطات تحلية المياه التابعة للاتحاد للماء والكهرباء يبلغ 8 محطات، 6 منها بنظام التناضح العكسي، و2 بنظام التبخير متعدد المراحل، موضحاً أن محطة تحلية المياه الجديدة بأم القيوين بلغت تكلفتها 2.2 مليار درهم.

 

الآبار الجوفية

وأفاد المهندس خالد معين الحوسني المدير التنفيذي لقطاع الصحة العامة والبيئة بدائرة البلدية والتخطيط في عجمان أن دائرة البلدية والتخطيط تقوم باستغلال 33 % من مياه الصرف الصحي المعالجة في الزراعة وإعادة تدويرها لأعمال المقاولات والصناعة، كما تم عمل شبكة ري من مياه الصرف الصحي المعالج للمزارع لتشجيع أصحاب المزارع باستخدام مياه الصرف الصحي المعالجة، وبهدف إيقاف عملية حفر الآبار الجوفية لري المزروعات والحفاظ على مورد المياه، لافتاً إلى أن شركة عجمان للصرف الصحي توفر يومياً 39,127 متراً مكعباً من مياه الصرف الصحي المعالج لأغراض الصناعة والزراعة والبناء.

وشدد الحوسني على أهمية عدم حفر الآبار العشوائية وفقاً للمرسوم الأميري رقم 4 لسنة 2009 بشأن تنظيم حفر الآبار واستغلال المياه الجوفية ولائحته التنفيذية، حيث حدد المرسوم بمعاقبة كل شخص يشرع في أو يقوم بحفر بئر بغرض استخدام المياه الجوفية واستغلالها بأي أغراض كانت، بغرامة قيمتها 10 آلاف درهم، وكل مقاول حفر يقوم بحفر بئر بدون رخصة صادرة من الدائرة للبئر.

وأكد الحوسني على اهتمام وحرص دائرة البلدية والتخطيط على عمل رقابة دورية للآبار الجوفية والتأكد من أنها فقط للزراعة وليست لأغراض تجارية بلغت في 770 زيارة خلال العام الماضي وشملت كلاً من المزارع، سكنات العمال.

استراتيجية

وأشار إلى أن الدائرة تعمل على تحقيق استراتيجية الأمن المائي 2036 التي أطلقتها الدولة والتي تستهدف تقليل 19 % من الطلب على المياه للأغراض المنزلية تستهدف تقليل 18 % من الطلب على المياه للأغراض الزراعية وتقليل الفقد والهدر من المياه بنسبة 10 % بالعمل على رفع كفاءة المباني للتقليل من هدر المياه واستخدام مياه الصرف الصحي المعالجة للري وعمل شبكات الري لتصل لجميع مزارع الإمارة.

تشريعات

وأكد المحامي علي مصبح ضاحي أن عملية حفر الآبار الجوفية يجب أن تكون منظمة من قبل جهات الاختصاص سواء من الإجراءات الإدارية أو الصحية أو التنظيمية، موضحاً أن المياه الجوفية هي المياه الموجودة بشكل طبيعي في باطن الأرض والتي يتم استخراجها بواسطة البئر.

وأفاد أن المشرع الإماراتي حظر حفر أي بئر لاستخراج المياه الجوفية أو توسيع قطرها أو إجراء أي تغيير عليها أو على معداتها وذلك قبل الحصول على تصريح من الجهات المختصة وفقاً للمتطلبات والشروط.

كما حظر المشرع على أي شخص مزاولة مهنة حفر الآبار إلا بعد الحصول على ترخيص من الجهات المختصة، بما في ذلك حظر استخدام الأجهزة أو اقتناء أي حفارة أو استعمالها دون ترخيص، لافتاً إلى أن العقوبات المشرع طبقاً للائحة التنفيذية بالغرامة التي لا تقل عن 100 درهم ولا تزيد على 500 ألف كل من خالف نص اللائحة بالإضافة إلى إيقاف الترخيص أو حجز المعدات المستخدمة في الحفر أو مصادرتها، أو وقف الترخيص لمدة شهر.

الزراعة المائية

وقال المواطن عبيد الشامسي، صاحب مزرعة مائية منذ سبع سنوات تنتج العديد من المنتجات والمحاصيل الزراعية المتنوعة، وأن هذه الطريقة توفر المياه بنسبة 95% من الزراعة التقليدية، مشيراً إلى أنها الأمثل في توفير الأمن الغذائي دون هدر المياه الجوفية للري كما توفر استخدام المياه المحلاة، مشيراً إلى أن تنفيذ مشاريع الزراعة المائية متاح في أي مكان بغض النظر عن طبيعة التربة المتوفرة والحصول على إنتاج كبير في وقتٍ قياسي.

Email